خاتمة
السرقة: هي أن يأخذ الشخص كلام الغير، وينسبه لنفسه.
- (أ) النسخ ويُسمى انتحالًا أيضًا: هو أن يأخذ السارق اللفظ والمعنى معًا، بلا تغيير ولا تبديل، أو بتبديل الألفاظ كلها أو بعضها بمرادفها، وهذا مذموم، وسرقة محضة، كما فعل عبد الله بن الزبير بقول معن بن أوس:١إذا أنت لم تُنصف أخاك وجدتهعلى طرف الهجران إن كان يعقلويكب حد السيف من أن تُضيمهإذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل
وأما تبديل الألفاظ بمرادفها كما فُعِل بقول الحُطْيئَةَ:
دع المكارم لا ترحل لبغيتهاواقعد فإنك أنت الطاعم الكاسيفقال الآخر:
ذر المآثر لا تذهب لمطلبهاواجلس فإنك أنت الآكل اللابسوقريب منه تبدل الألفاظ بضدها، مع رعاية النظم والترتيب، كما فُعِل بقول حسان رضي الله عنه:
بيض الوجوه كريمة أحسابهمشم الأنوف من الطراز الأولفقال غيره:
سود الوجوه لئيمة أحسابهمفطس الأنوف من الطراز الآخر - (ب)
والمسخ أو الإغارة: هو أن يأخذ بعض اللفظ، أو يُغَير بعض النظم، فإن امتاز الثاني بحسن السبك فممدوح، نحو قول الآخر:
من راقب الناس لم يظفر بحاجتهوفاز بالطيِّبات الفاتك اللهجمع قول غيره:
من راقب الناس مات همًّاوفاز باللذات الجسورفإن الثاني أعذب وأخصر، وإن امتاز الأول فقط فالثاني مذموم. وإن تساويا فالثاني لا يذم ولا يمدح، والفضل للسابق.
- (جـ)
والسَّلخ ويُسَمَّى إلمامًا: وهو أن يأخذ السَّارق المعنى وحده، فإن امتاز الثاني فهو أبلغ، نحو قول الشاعر:
هو الصُّنْع إن يعمل فخير وإن يرثفللريث في بعض المواضع أنفعمع قول غيره:
ومن الخير بطء سيبك عنِّيأسرع السحب في المسير الجهاموإن امتاز الأول فالثاني مذموم، وإن تماثلا فهو أبعد عن الذم، كقوله:
ولم يكُ أكثر الفتيان مالًاولكن كان أرحبهم ذراعامع قول الآخر:
وليس بأوسعهم في الغنىولكن معروفه أوسع
- (١)
الاقتباس: هو أن يُضمِّن المتكلم منثوره أو منظومه شيئًا من القرآن، أو الحديث، على وجه لا يُشعر بأنه منهما، فمثاله من «النثر»: «فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب.»
ونحو قول الحريري: «أنا أنبئكم بتأويله، وأميز صحيح القول من عليله.»
وكقول عبد المؤمن الأصفهاني: لا تغُرَّنك من الظلَمةِ كثرة الجيوش والأنصار إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.ومثاله من الشعر قوله:٢وثغر تنضد من لؤلؤبألباب أهل الهوى يلعبُإذا ما ادلهمت خطوب الهوىيكاد سنا برقه يذهبوكقول الشاعر الآخر:
إن كنت أزمعت على هجرنامن غير ما جُرْم فصبر جميلوإن تبدلت بنا غيرنافحسبنا الله ونعم الوكيلوكقول القائل الآخر:
لا تكن ظالمًا ولا ترضَ بالظلموأنِكر بكل ما يُستطاعيوم يأتي الحساب ما لظلوممن حميم ولا شفيع يُطاعوكقول بعضهم:
إن كانت العشاق من أشواقهمجعلوا النسيم إلى الحبيب رسولافأنا الذي أتلو لهم يا ليتنيكنت اتخذت مع الرسول سبيلاوكقول الشاعر:
ارحلوا فلست مسائلًا عن دارهم«أنا باخع نفسي على آثارهم»وكقول الآخر:
ولاح بحكمتي نور الهدىفي ليالٍ للضلالة مدلهمهيريد الجاهلون ليطفئونويأبى الله إلا أن يتمهومثاله من الحديث في «النثر» قول الحريري: «شاهت الوجوه، وقبح اللكع ومن يرجوه.»
وكقول الحريري أيضًا: وكتمان الفقر زهادة، و«انتظار الفرج بالصبر» عبادة.
ومثاله من الحديث في «الشعر» قول الشاعر:
قال لي: إن رقيبيسيئ الخلق فدارهقلت: دعني وجهك«الجنة حُفَّت بالمكاره»وكقول الشاعر:
فلو كانت الأخلاق تُحْوَى وراثةولو كانت الآراء لا تتشعبُلأصبح كل الناس قد ضمَّهم هوىكما أن كل الناس قد ضمَّهم أبولكنها الأقدار «كل مُيَسَّرلما هو مخلوق له» ومُقَرَّبُوكقول القائل:
لا تُعَادِ الناس في أوطانهمقلما يرعى غريب الوطنوإذا ما شئت عيشًا بينهمخالق الناس بخلق حسن٣ - (٢) والتضمين: هو أن يضمِّن الشاعر كلامه «شيئًا من مشهور شعر الغير» مع التنبيه عليه٤ إن لم يكن مشهورًا لدى نقاد الشعر، وذوي اللسن؛ وبذلك يزداد شعره حُسْنًا، كقول الصاحب بن عبَّاد:أشكو إليك زمانًا ظل يعركنيعرك الأديم ومن يعدو على الزمنوصاحبًا كنت مغبوطًا بصحبتهدهرًا فغادرني فردًا بلا سكنوباع صفو وداد كنت أقصرهعليه مجتهدًا في السر والعلنكأنه كان مطويًا على إحَنولم يكن في قديم الدهر أنشدني«إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروامن كان يألفهم في المنزل الخشن»
وكقوله:
إذا ضاق صدري وخفت العداتمثلت بيتًا بحالي يليقفبالله أبلغ ما أرتجيوبالله أدفع ما لا أطيقوكقول الحريري يحكي ما قاله الغلام الذي عرضه «أبو زيد» للبيع:
على أني سأنشد عند بيعيأضاعوني وأي فتًى أضاعوا٥فالمصراع الأخير «للعرجي» وهو محبوس، وأصله:
أضاعوني وأي فتًى أضاعواليوم كريهة وسداد ثغروصبر عند معترك المناياوقد شُرِعت أسنتها بنحري - (٣)
والعقد: هو «نظم النثر» مطلقًا لا على وجه الاقتباس، ومن شروطه أن يؤخذ «المنثور» بجملة لفظه أو بمعظمه، فيزيد الناظم فيه وينقص؛ ليدخل في وزن الشعر. فعقد القرآن الكريم كقوله:
أنلني بالذي استقرضت خطاوأشهد معشرًا قد شاهدوهفإن الله خلَّاق البراياعنت لجلال هيبته الوجوهيقول: «إذا تداينتم بدَيْنإلى أجل مسمَّى فاكتبوه»وعقد الحديث الشريف كقوله:
إن القلوب لأجناد مجندةبالأذن من ربها تهوى وتأتلففما تعارف منها فهو مؤتلفوما تناكر منها فهو مختلفوكقوله:
واستعمل الحلم واحفظ قول بارئناسبحانه خلق الإنسان من عَجل - (٤)
والحل: هو «نثر النظم» وإنما يُقبل إذا كان جيد السبك، حسن الموقع، كقوله:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونهوصدق ما يعتاده من توهُّم٦ - (٥)
والتلميح: هو الإشارة إلى قصة معلومة، أو شعر مشهور، أو مثل سائر، من غير ذكره.
- فالأول: وهو الإشارة إلى قصة معلومة، نحو:
يا بدر أهلك جارواوعلموك التجريوقبحوا لك وصليوحسنَّوا لك هجريفليفعلوا ما أرادوافإنهم أهل بدروكقوله تعالى: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ أشار «يعقوب» في كلام هنا لأولاده بالنسبة إلى خيانتهم السابقة في أمر أخيهم «يوسف».
ونحو قول الشاعر:
فوالله أدري أأحلام نائمألمت بنا أم كان في الركب «يوشع»٧ - والثاني: وهو الإشارة إلى شعر مشهور، نحو قول الشاعر:
لعمرو مع الرمضاء والنار تلتظيأرق وأحفى منك في ساعة الكرب
إشارة إلى قول الآخر:
المستجير بعمرو عند كربتهكالمستجير من الرمضاء بالنار - والثالث: وهو الإشارة إلى مثل سائر من غير ذكره، نحو قول
الشاعر:
من غاب عنكم نسيتموهوقلبه عندكم رهينهْأظنكم في الوفاء ممنصحبته صحبة السفينهْ
- فالأول: وهو الإشارة إلى قصة معلومة، نحو:
- (٦)
وحسن الابتداء أو براعة المطلع: هو أن يجعل أول الكلام رقيقًا سهلًا، واضح المعاني، مستقلًّا عما بعده، مناسبًا للمقام، بحيث يجذب السامع إلى الإصغاء بكليته؛ لأنه أول ما يقرع السمع، وبه يعرف مما عنده. قال ابن رشيق: إن حسن الافتتاح داعية الانشراح، ومطية النجاح، وذلك مثل قول الشاعر:
المجد عُوفي إذ عُوفيت والكرموزال عنك إلى أعدائك السقموتزداد براعة المطلع حسنًا إذا دلت على المقصود بإشارة لطيفة، وتسمى براعة استهلال،٨ وهي أن يأتي الناظم أو الناثر في ابتداء كلامه بما يدل على مقصوده منه، بالإشارة لا بالتصريح.كقول «أبي محمد الخازن» مهنأ «الصاحب ابن عباد» بمولود:
بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعداوكوكب المجد في أفق العلا صعداوقول غيره في التهنئة ببناء قصر:
قصر عليه تحية وسلامخلعت عليه جمالها الأياموقول المرحوم «أحمد شوقي بك» في الرثاء:
أجل وإن طال الزمان موافيأخلى يديك من الخليل الوافيوقول آخر في الاعتذار:
لنار الهم في قلبي لهيبفعفوًا أيها الملك المهيبوقد جاء في الأخبار أن الشعر قفل وأوله مفتاحه.
- (٧)
والتخلص: هو الخروج والانتقال مما ابتدئ به الكلام إلى الغرض المقصود، برابطة تجعل المعاني آخذًا بعضها برقاب بعض، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من نسيب إلى مدح أو غيره؛ لشدة الالتئام والانسجام.
ومنه قول الشاعر:
وإذا جلست إلى المدام وشربهافاجعل حديثك كله في الكاسوإذا نزعت عن الغواية فليكن«لله» ذاك النزع لا للناسوإذا أردت مديح قوم لم تلمفي مدحهم فامدح «بني العباس»وقوله:
دعت النوى بفراقهم فتشتتواوقضى الزمان بينهم فتبددواوقد ينتقل مما افتتح به الكلام إلى الغرض المقصود مباشرة، بدون رابطة بينهما، ويسمى ذلك «اقتضابًا» كقول أبي تمام:
لو رأى الله أن في الشيب خيرًاجاورته الأبرار في الخلد شيباكل يوم تبدي صروف اللياليخلقًا من أبي سعيد غريبا - (٨)
و«حسن الانتهاء» ويقال له: «حسن الختام»: هو أن يجعل المتكلم آخر كلامه عذب اللفظ، حسن السبك، صحيح المعنى، مشعرًا بالتمام؛ حتى تتحقق «براعة المقطع» بحسن الختام؛ إذ هو آخر ما يبقى منه في الأسماع، وربما حُفظ من بين سائر الكلام؛ لقرب العهد به.
يعني أن يكون آخر الكلام مستعذبًا حسنًا؛ لتبقى لذته في الأسماع، مؤذنًا بالانتهاء، بحيث لا يبقى تشوقًا إلى ما وراءه، كقول أبي نواس:
وإني جدير إذ بلغتك بالمنىوأنت بما أملت فيك جديرفإن تولني منك الجميل فأهلهوإلا فإني عاذر وشكوروقول غيره:
بقيت بقاء الدهر يا كهف أهلهوهذا دعاء للبرية شاملوقال ابن حجة:
عليك سلام نشره كلما بدىبه يتغالى الطيب والمسك يختموقال غيره:
ما أسأل الله إلا أن يدوم لنالا أن تزيد معاليه فقد كملت
هوامش
ويكون الاقتباس مذمومًا في الهزل كقوله:
- الأول: ضرب منه لا ينقل فيه اللفظ المقتبس عن معناه الأصلي إلى معنًى آخر كما تقدم.
- الثاني: ما ينقل
إلى معنًى آخر، كقول ابن الرومي:
لئن أخطأت في مديحكما أخطأت في منعيلقد أنزلت حاجاتيبوادٍ غير ذي زرع
فقد كنى بلفظ «وادٍ» عن رجل لا يُرجى نفعه ولا خير فيه، وهو في الآية الكريمة بمعنى «وادٍ» لا ماء فيه ولا نبات.
وقد أجازوا تغيير اللفظ المقتبس بزيادة فيه أو نقص أو تقديم أو تأخير كما سبق.
واعلم أن الاقتباس ثلاثة أقسام:- (أ) مقبول: وهو ما كان في الخطب والمواعظ.
- (ب) ومباح: وهو ما يكون في الغزل والرسائل والقصص.
- (جـ) ومردود: وهو ما كان في الهزل، كما تقدم ذكره.
وكقوله: