فلما كانت الليلة ٤٠٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: لما فرغت من شعري لم يَبْقَ أحدٌ من الجماعة إلا ووثب من موضعه، وجلسوا بين يدي وقالوا: بالله عليك يا سيدنا أن تغني لنا صوتًا آخَر. فقلتُ لهم: حبًّا وكرامة. ثم أحكمتُ الضربات، وغنَّيت بهذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره لم يَبْقَ أحدٌ منهم إلا وقام على قدمَيْه، ثم رمى بنفسه على الأرض من شدة ما أصابه من الطرب. قال: فرميت العود من يدي، فقالوا: بالله عليك ألَّا تفعل بنا هذا، وزدنا صوتًا آخَر زادك الله تعالى من نعمته. فقلت لهم: يا قوم، أزيدكم صوتًا آخَر وآخَر وآخَر، وأعرِّفكم مَن أنا، أنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، والله إني لأتيه على الخليفة إذا طلبني، وأنتم قد أسمعتموني غليظَ ما أكره في هذا اليوم، فوالله لا نطقتُ بحرف ولا جلستُ معكم حتى تُخرِجوا هذا العربيد من بينكم. فقال له صاحبه: من هذا حذَّرْتُك، وخفتُ عليك. ثم أخذوا بيده وأخرجوه، فأخذتُ العود وغنَّيت الأصوات التي غنَّتْها الجارية من صنعتي، ثم أسررتُ إلى صاحب الدار أن الجارية قد وقعَتْ في قلبي، ولا صبرَ لي عنها. فقال الرجل: هي لك بشرط. فقلت: وما هو؟ قال: أن تقيم عندي شهرًا، والجارية وما يتعلَّق بها من حليٍّ وحُلل لك. فقلت: نعم، أفعل ذلك. فأقمت عنده شهرًا لا يعرف أحدٌ أين أنا؟ والخليفة يفتش عليَّ في كل موضع، ولا يعرف لي خبرًا. فلما انقضى الشهر سلَّم لي الجارية وما يتعلق بها من الأمتعة النفيسة، وأعطاني خادمًا آخَر، فجئتُ بذلك إلى منزلي وكأني قد حُزْتُ الدنيا بأسرها من شدة فرحي بالجارية. ثم ركبتُ إلى المأمون من وقتي، فلما حضرت بين يديه قال لي: ويحك يا إسحاق! أين كنتَ؟ فأخبرته بخبري. فقال: عليَّ بذلك الرجل في هذه الساعة. فدللتهم على داره، فأرسل إليه الخليفة، فلما حضر سأله عن القصة فأخبره بها، فقال له: أنت رجل ذو مروءة، والرأي أن تُعَان على مروءتك. فأمر له بمائة ألف درهم وقال لي: يا إسحاق أحضر الجارية. فأحضرتها فغنَّت له وأطربته، فحصل له منها سرور عظيم، فقال: قد جعلتُ عليها نوبة في كل يوم خميس، فتحضر وتغني من وراء الستارة. ثم أمر لها بخمسين ألف درهم، فوالله لقد ربحت وأربحت في تلك الركبة.
حكاية ثلاثة عشَّاق حزَانَى
ومما يُحكَى أن العتي قال: جلست يومًا وعندي جماعة من أهل الأدب، فتذاكرنا أخبار الناس ونزع بنا الحديث إلى أخبار المحِبِّين، فجعل كلٌّ منَّا يقول شيئًا، وفي الجماعة شيخ ساكت، ولم يَبْقَ عند أحدٍ منهم شيءٌ إلا أخبَرَ به، فقال ذلك الشيخ: هل أحدِّثكم حديثًا لم تسمعوا مثله قطُّ؟ قلنا: نعم. قال: اعلموا أنه كانت لي ابنة وكانت تهوى شابًّا، ونحن لا نعلم بها، وكان الشاب يهوى قينة، وكانت القينة تهوى ابنتي، فحضرت في بعض الأيام مجلسًا فيه ذلك الشاب … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.