فلما كانت الليلة ٤١٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ قال: فحضرتُ في بعض الأيام مجلسًا فيه ذلك الشاب والقينة، فغنَّتِ القينة بهذين البيتين:
فقال لها الشاب: أحسنتِ والله يا سيدتي، أفتأذني لي أن أموت؟ فقالت القينة من وراء الستر: نعم، إنْ كنتَ عاشقًا فمُتْ. فوضع الشاب رأسه على وسادة وأغمض عينه، فلما وصل القدح إليه حرَّكْنَاه فإذا هو ميت، فاجتمعنا عليه وتكدر علينا السرور وتنكدنا وافترقنا من ساعتنا، فلما سرتُ إلى منزلي أنكَرَ عليَّ أهلي حيث انصرفت إليهم في غير الوقت المعتاد، فأخبرتُهم بما كان من أمر الشاب لأعجبهم بذلك، فسمعَتِ ابنتي كلامي فقامت من المجلس الذي أنا فيه ودخلت مجلسًا آخَر، فقمتُ خلفها ودخلت ذلك المجلس فوجدتها متوسدة على مثالِ ما وصفتُ من حال الشاب، فحرَّكْتُها فإذا هي ميتة، فأخذنا في تجهيزها وغدونا بجنازتها وغدوا بجنازة الشاب، فلما صرنا في طريق الجبانة وإذا نحن بجنازة ثالثة، فسألنا عنها فإذا هي جنازة القينة؛ فإنها حين بلغها موتُ ابنتي فعلت مثل ما فعلت فماتت، فدفنا الثلاثة في يوم واحد، وهذا أعجب ما سُمِع من أخبار العشَّاق.
حكاية عشَّاق بني طيٍّ
ومما يُحكَى أن القاسم بن عدي حكى عن رجل من بني تميم أنه قال: خرجتُ في طلب ضالَّة، فوردتُ على مياه بني طيٍّ فرأيتُ بفريقين، أحدهما قريب من الآخَر، وإذا في أحد الفريقين كلام مثل كلام أهل الفريق الآخَر، فتأمَّلْتُ فرأيتُ في أحد الفريقين شابًّا قد نهكه المرض، وهو مثل الشن البالي، فبينما أنا أتأمله وإذا هو ينشد هذه الأبيات:
فسمعَتْ كلامه جارية من الفريق الآخَر، فبادرتْ نحوه وتبعها أهلها، وجعلت تضاربهم؛ فأحسَّ بها الشاب فوثب نحوها، فبادَرَ إليه أهل فريقه وتعلَّقوا به، فجعل يجذب نفسه منهم وهي تجذب نفسها من فريقها حتى تخلَّصَا، وقصد كل واحد منهما صاحبه حتى التقيَا بين الفريقين وتعانَقَا، ثم خرَّا إلى الأرض ميتَيْن. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.