فلما كانت الليلة ٤١٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية قالت: لما قطف التفاحتين أعطانيهما وقال: كلي هذه، وأخفي الأخرى حتى يراها الرهبان. فأكلتُ واحدة فما رأيت أطيب منها، ثم إنه أخذ بيدي، وخرج بي حتى أوصلني إلى داري، فلما استيقظتُ من منامي وجدتُ طعْمَ التفاح في فمي، والتفاحة الثانية عندي. ثم أخرجَتِ التفاحةَ فأشرقت في ظلام الليل كأنها كوكب دري، فجاءوا بالمرأة إلى الدير ومعها التفاحة؛ فقصَّتْ علينا الرؤيا وأخرجت لنا التفاحة، فلم نَرَ شيئًا مثلها في سائر فواكه الدنيا، فأخذتُ سكينًا وشقَّقتها على عدد أصحابي، فما رأينا ألذَّ من طعمها، ولا أطيب من ريحها. فقلنا: لعل هذا شيطان تمثَّلَ إليها ليغويها عن دينها. فأخذها أهلها وانصرفوا، ثم إنها امتنعت عن الأكل والشرب، فلما كانت الليلة الخامسة قامت من فراشها، وخرجت من بيتها، وتوجَّهت إلى قبر ذلك المسلم، وألقَتْ نفسها عليه وماتت، ولم يعلم بها أهلها. فلما كان وقت الصباح أقبل على القرية شيخان مسلمان عليهما ثياب من الشعر، ومعهما امرأتان كذلك، فقالا: يا أهل القرية، إن لله تعالى عندكم ولية من أوليائه قد ماتت مسلمة، ونحن نتولاها دونكم. فطلب أهل القرية تلك المرأة فوجدوها على القبر ميتة، فقالوا: هذه صاحبتنا قد ماتت على ديننا ونحن نتولاها. وقال الشيخان: إنها ماتت مسلمة، ونحن نتولاها. واشتدَّ الخصام والنزاع بينهم، فقال أحد الشيخين: إن علامة إسلامها أن يجتمع رهبان الدير الأربعون ويجذبوها عن القبر، فإن قدروا على حملها من الأرض فهي نصرانية، وإن لم يقدروا على ذلك يتقدَّم واحدٌ منَّا ويجذبها، فإن جاءت معه فهي مسلمة. فرضي أهل القرية بذلك، واجتمع الأربعون راهبًا، وقوَّى بعضهم بعضًا، وأتوها ليحملوها فلم يقدروا على ذلك، فربطنا في وسطها حبلًا عظيمًا، وجذبناها فانقطع الحبل ولم تتحرك، فتقدَّم أهل القرية وفعلوا كذلك فلم تتحرك من موضعها، فلما عجزنا عن حملها بكل حيلة قلنا لأحد الشيخين: تقدَّمْ أنت واحملها. فتقدَّمْ إليها أحدهما، ولفَّها في ردائه وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى ملة رسول الله ﷺ. ثم حملها في حضنه، وانصرف بها المسلمون إلى غار هناك فوضعوها فيه، وجاءت المرأتان فغسَّلَتَاها، وكفنتاها، ثم حملها الشيخان وصلَّيَا عليها، ودفناها إلى جانب قبره وانصرفا، ونحن نشاهد هذا كله. فلما خلا بعضنا ببعض قلنا: إن الحق أحقُّ أن يُتَّبَع، وقد وضح الحق لنا بالمشاهدة والعيان، ولا برهان لنا على صحة الإسلام أوضح لنا مما رأيناه بأعيننا. ثم أسلمتُ وأسلَمَ رهبان الدير جميعهم، وكذلك أهل القرية. ثم إنا بعثنا إلى أهل الجزيرة نستدعي فقيهًا يعلِّمنا شرائع الإسلام وأحكام الدين؛ فجاءنا رجل فقيه صالح، فعلَّمَنا العبادةَ وأحكامَ الإسلام، ونحن اليوم على خير كثير، ولله الحمد والمنَّة.
حكاية أبي عيسى وعشقه لقرَّة العين
ومما يُحكَى أن عمرو بن مسعدة قال: كان أبو عيسى بن الرشيد أخو المأمون عاشقًا لقرَّة العين جارية علي بن هشام، وكانت هي أيضًا عاشقة له، ولكن كان أبو عيسى كاتمًا لهواه فلا يبوح به ولا يشكوه إلى أحد، ولم يُطلِع أحدًا على سره، وكل ذلك من نَخْوته ومروءته، وكان يجتهد في ابتياعها من مولاها بكل حيلةٍ فلم يقدر على ذلك، فلما عيل صبره واشتدَّ وَجْده وعجز عن الحيلة في أمرها، دخل على المأمون في يوم موسم بعد انصراف الناس من عنده وقال: يا أمير المؤمنين، إنك لو امتحنتَ فؤادك في هذا اليوم على حين غفلةٍ منهم، لتعرف أهل المروءة من غيره، ومحلَّ كل واحد منهم وقدرَ همته. وإنما قصد أبو عيسى بهذا الكلام أن يتصل بذلك إلى الجلوس مع قرَّة العين في دار مولاها، فقال المأمون: إن هذا الرأي صواب. ثم أمر أن يشدوا له زورقًا اسمه الطيار، فقدموه له فركبه ومعه جماعة من خواصه، فأول قصر دخله قصر حميد الطويل الطوسي، ودخلوا عليه في القصر على حين غفلة منه، فوجده جالسًا … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.