فلما كانت الليلة ٤١٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما فرغت من إنشادها قال لها المأمون: لله درك، لمَن هذا الشعر؟ قالت: لجرير، والغناء لابن سريج. فشرب المأمون ومَن معه، ثم انصرفت الجواري وجاءت بعدهن عشر جوارٍ أخرى كأنهن اليواقيت، وعليهن الديباج الأحمر المنسوج بالذهب المرصَّع بالدر والجوهر، وهن مكشوفات الرءوس، فجلسن على الكراسي وغنَّيْنَ بأنواع الألحان، فنظر إلى جارية منهن كأنها شمس النهار، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: اسمي فاتن يا أمير المؤمنين. فقال لها: غنِّي لنا يا فاتن. فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات:
فقال: لله درك يا فاتن، لمَن هذا الشعر؟ فقالت: لعدي بن زيد، والطريقة قديمة. فشرب المأمون وأبو عيسى وعلي بن هشام، ثم انصرفت الجواري وجاءت بعدهن عشر من الجواري كأنهن الدراري، عليهن الوشي المنسوج بالذهب الأحمر، وفي أوساطهن المناطق المرصَّعة بالجوهر، فجلسن على الكراسي وغنَّيْنَ بأنواع الألحان، فقال المأمون لجارية منهن كأنها قضيب بان: ما اسمك يا جارية؟ قالت: اسمي رشا يا أمير المؤمنين. فقال: غنِّي لنا يا رشا. فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات:
فقال لها المأمون: أحسنتِ يا جارية، زيدينا. فقامت الجارية وقبَّلَتِ الأرض بين يديه، وغنَّتْ بهذا البيت:
فطرب المأمون لذلك البيت طربًا عظيمًا، فلما رأت الجارية طرب المأمون، صارت تردِّد الصوت بهذا البيت، ثم إن المأمون قال: قدِّموا الطيار. وأراد أن يركب ويتوجه، فقام علي بن هشام وقال: يا أمير المؤمنين عندي جارية اشتريتها بعشرة آلاف دينار قد أخذَتْ مجامع قلبي، وأريد أن أعرضها على أمير المؤمنين، فإن أعجبته ورضيها فهي له، وإلا فيسمع منها شيئًا. فقال الخليفة: عليَّ بها. فخرجَتْ جارية كأنها قضيب بان، لها عينان فتَّانتان، وحاجبان كأنهما قوسان، وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر مرصَّع بالدر والجوهر، تحته عصابة مكتوب عليها بالزبرجد هذا البيت:
ومشت تلك الجارية كأنها غزال شارد وهي تفتن العابد، ولم تزل ماشية حتى جلست على الكرسي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.