فلما كانت الليلة ٤١٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قرة العين لما فرغَتْ من شعرها قال أبو عيسى: يا أمير المؤمنين إذا افتضحنا استرحنا، أتأذن لي في جوابها؟ فقال له الخليفة: نعم، قُلْ لها ما شئتَ. فكَفْكَفَ دمعَ العين، وأنشد هذين البيتين:
فأخذَتِ العود قرَّة العين، وأطربت بالنغمات وغنَّتْ هذه الأبيات:
فلما فرغت قرة العين من شعرها، جعل أبو عيسى يبكي وينتحب ويتوجَّع ويضطرب، ثم رفع رأسه إليها، وصعَّدَ الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ أبو عيسى من شعره، وثب علي بن هشام إلى رجله فقبَّلَها وقال له: يا سيدي، قد استجاب الله دعاءك وسمع نجواك وأجابك إلى أخذها بجميع متعلقاتها من التحف واللطائف، إن لم يكون لأمير المؤمنين غرض فيها. فقال المأمون: ولو كان لنا غرض فيها لَآثرنا أبا عيسى على أنفسنا، وساعدناه على قصده. ثم قام المأمون وركب في الطيار، وتخلَّفَ أبو عيسى لأخذ قرة العين، ثم أخذها وانصرف بها إلى منزله وهو منشرح الصدر، فانظر إلى مرؤة علي بن هشام.
حكاية الأمين وعمه إبراهيم بن المهدي
ومما يُحكَى أن الأمين أخا المأمون، دخل دار عمه إبراهيم بن المهدي، فرأى بها جارية تضرب بالعود، وكانت من أحسن النساء، فمال قلبه إليها، فظهر ذلك عليه لعمه إبراهيم، فلما ظهر له ذلك من حاله بعثها إليه مع ثياب فاخرة وجواهر نفيسة، فلما رآها الأمين ظنَّ أن عمه إبراهيم بنى بها، فكَرِه الخلوة بها من أجل ذلك، وقبل ما كان معها من الهدية ورَدَّها إليه، فعلم إبراهيم بذلك الخبر من بعض الخدم، فأخذ قميصًا من الوشي وكتب على ذيله بالذهب هذين البيتين:
ثم ألبسها القميص وناوَلَها عودًا وبعثها إليه ثانيًا، فلما دخلت عليه قبَّلَتِ الأرض بين يديه، وأصلحت العود وغنَّتْ عليه بهذين البيتين:
فلما فرغَتْ من شعرها نظر إليها الأمين، فرأى ما على ذيل القميص فلم يملك نفسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.