فلما كانت الليلة ٣٢٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة زمرد ذهبت إلى قصرها وهي فرحانة بما رتبته، وقالت في نفسها: إن شاء الله تعالى بسبب ذلك أقع على خبر سيدي علي شار. ولما هلَّ الشهر الثاني فعلَتْ ذلك الأمر على جري العادة، ووضعوا السماط، ونزلت زمرد، وجلست على كرسيها، وأمرت الناس أن يجلسوا ويأكلوا. فبينما هي جالسة على رأس السماط، والناس يجلسون عليه جماعة بعد جماعة، وواحدًا بعد واحد، إذ وقعت عينها على برسوم النصراني الذي كان اشترى الستر من سيدها، فعرفته وقالت: هذا أول الفرج وبلوغ المنى. ثم إن برسوم تقدَّمَ وجلس مع الناس يأكل، فنظر إلى صحن أرز حلو مرشوش عليه سكَّر، وكان بعيدًا عنه، فزاحَمَ عليه ومدَّ يده إليه وتناوله ووضعه قدَّامه، فقال له رجل بجانبه: لِمَ لا تأكل من قدَّامك؟ أَمَا هذا عيب عليك، كيف تمد يدك إلى شيء بعيد عنك، أَمَا تستحي؟ فقال له برسوم: ما آكل إلا منه. فقال له الرجل: كُلْ لا هنَّاكَ الله به. فقال رجل حشَّاش: دعه يأكل منه حتى آكل أنا الآخر معه. فقال له الرجل: يا أنحس الحشاشين، هذا ما هو مأكولكم، وإنما هو مأكول الأمراء، فاتركوه حتى يرجع إلى أصحابه فيأكلوه. فخالَفَه برسوم وأخذ منه لقمة وحطَّها في فمه وأراد أن يأخذ الثانية، والملكة تنظر إليه، فصاحت على بعض الجند وقالت لهم: هاتوا هذا الذي قدامه الصحن الأرز الحلو، ولا تدعوه يأكل اللقمة التي في يده، بل ارموها من يده. فجاءه أربعة من العساكر وسحبوه على وجهه بعد أن رموا اللقمة من يده، وأوقفوه قدَّام زمرد، فامتنعت الناس عن الأكل، وقال بعضهم لبعض: والله إنه ظالم؛ لأنه لم يأكل من طعام أمثاله. فقال واحد: أنا قنعت بهذا الكشك الذي قدَّامي. فقال الحشاش: الحمد لله الذي منعني أن آكل من الصحن الأرز الحلو شيئًا؛ لأني كنتُ أنتظر أن يستقر قدَّامه ويتهنَّى عليه ثم آكل معه، فحصل له ما رأينا. فقالت الناس لبعضهم: اصبروا حتى ننظر ما يجري عليه. فلما قدَّموه بين يدي الملكة زمرد قالت له: ويلك من أزرق العينين! ما اسمك؟ وما سبب قدومك إلى بلادنا؟ فأنكر الملعون اسمه، وكان متعمِّمًا بعمامة بيضاء، فقال: يا ملك اسمي علي، وصنعتي حبَّاك، وجئت إلى هذه المدينة من أجل التجارة. فقالت زمرد: ائتوني بتخت رمل وقلم من نحاس. فجاءوا بما طلبته في الحال، فأخذت التخت الرمل والقلم وضربت تخت رمل، وخطَّت بالقلم صورة مثل صورة قرد، ثم بعد ذلك رفعت رأسها، وتأملت في برسوم ساعة زمانية، وقالت له: يا كلب، كيف تكذب على الملوك؟ أَمَا أنت نصراني، واسمك برسوم، وقد أتيتَ إلى حاجةٍ تفتِّش عليها؟ فاصدقني الخبر وإلا وعزة الربوبية أضرب عنقك. فتلجلج النصراني، فقال الأمراء والحاضرون: إن هذا الملك يعرف ضرب الرمل، سبحان مَن أعطاه! ثم صاحت على النصراني وقالت له: اصدقني الخبر وإلا أهلكتك. فقال النصراني: العفو يا ملك الزمان، إنك صادق في ضرب الرمل، فإن الأبعد نصراني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.