فلما كانت الليلة ٤١٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمين لما نظر إلى الجارية رأى ما على ذيل القميص، فلم يملك نفسه بل أدناها منه وقبَّلها وأفرد لها مقصورة من المقاصير، وشكر عمه إبراهيم على ذلك، وأنعم عليه بولاية الريِّ.
حكاية المتوكل والفتح بن خاقان
ومما يُحكَى أن المتوكل شرب دواءً، فجعل الناس يهدون إليه طرائف التحف وأنواع الهدايا، وأهدى إليه الفتح بن خاقان جاريةً بِكْرًا ناهدًا من أحسن نساء زمانها، وأرسل معها أناء بلور فيه شراب أحمر، وجامًا أحمر مكتوبًا عليه بالسواد هذه الأبيات:
فلما دخلت الجارية بما معها على الخليفة، كان عنده يوحنا الطبيب، فلما رأى الطبيب الأبيات تبسَّمَ وقال: والله يا أمير المؤمنين، إن الفتح أعرف مني بصناعة الطب، فلا يخالفه أمير المؤمنين فيما وصفه له. فقَبِل الخليفة رأيَ الطبيب واستعمل ذلك الدواء على مقتضى مضمون الأبيات، فشفاه الله وحقَّقَ ما رجاه.
حكاية في محاسن اختلاف الأجناس
ومما يُحكَى أن بعض الفضلاء قال: ما رأيت في النساء أذكى خاطرًا، وأحسن فطنة، وأغزر علمًا، وأجود قريحة، وأظرف أخلاقًا من امرأة واعظة من أهل بغداد يقال لها سيدة المشايخ؛ اتفق أنها جاءت إلى مدينة حماة سنة إحدى وستين وخمسمائة، فكانت تعظ الناس على الكرسي وعظًا شافيًا، وكان يتردد على منزلها جماعة من المتفقهين وذوي المعارف والآداب يطارحونها مسائل الفقه، ويناظرونها في الخلاف؛ فمضيتُ إليها ومعي رفيق من أهل الأدب، فلما جلسنا عندها وضعت بين أيدينا طبقًا من الفاكهة، وجلست هي خلف ستر، وكان لها أخٌ حَسَنُ الصورة قائمًا على رءوسنا في الخدمة، فلما أكلنا شرعنا في مطارحة الفقه؛ فسألتُها مسألةً فقهيةً مشتملة على خلاف بين الأئمة، فشرعَتْ تتكلم في جوابها وأنا أصغي إليها، وجعل رفيقي ينظر إلى وجه أخيها، ويتأمل في محاسنه، ولا يصغي إليها، وهي تلحظه من وراء الستر. فلما فرغَتْ من كلامها التفتَتْ إليه وقالت: أظنك ممَّنْ يفضِّل الرجالَ على النساء. قال: أجل. قالت: ولِمَ ذلك؟ قال: لأن الله فضَّل الذكرَ على الأنثى. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.