فلما كانت الليلة ٤٢٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ أجابها بقوله: لأن الله فضَّل الذكر على الأنثى، وأنا أحب الفاضل وأكره المفضول. فضحكَتْ، ثم قالت: أتنصفني في المناظرة إن ناظرتُكَ في هذا المبحث؟ قال: نعم. قالت: فما الدليل على تفضيل الذكر على الأنثى؟ قال: المنقول والمعقول؛ أما المنقول فالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، وقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وقوله تعالى في الميراث: وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فالله — سبحانه وتعالى — فضَّل الذكر على الأنثى في هذه المواضع، وأخبر أن الأنثى على النصف من الذكر؛ لأنه أفضل منها. وأما في السنة؛ فما رُوِي عن النبي ﷺ أنه جعل دية المرأة على النصف من دية الرجل. وأما المعقول؛ فإن الذكر فاعل والأنثى مفعول بها، والفاعل أفضل من المفعول به. فقالت له: أحسنتَ يا سيدي، لكنك والله أظهرتَ حجتي عليك من لسانك، ونطقتَ ببرهان هو عليك لا لك؛ وذلك أن الله — سبحانه وتعالى — إنما فضَّلَ الذكر على الأنثى بمجرد وصف الذكورية، وهذا لا نزاعَ فيه بيني وبينك، وقد يستوي في هذا الوصف الطفل والغلام والشاب والكهل والشيخ، لا فرقَ بينهم في ذلك، وإذا كانت الفضيلة إنما حصلت له بوصف الذكورية، فينبغي أن يميل طبعك وترتاح نفسك إلى الشيخ كما ترتاح إلى الغلام؛ إذ لا فرْقَ بينهما في الذكورية، وإنما وقع الخلاف بيني وبينك في الصفات المقصودة من حسن العشرة والاستمتاع، وأنتَ لم تأتِ ببرهان على فضل الغلام على الأنثى في ذلك. فقال لها: يا سيدتي، أَمَا علمتِ ما اختصَّ به الغلام من اعتدال القدِّ، وتوريد الخدِّ، وملاحة الابتسام، وعذوبة الكلام؛ فالغلمان بهذا الاعتبار أفضل من النساء، والدليل على ذلك ما رُوِي عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تديموا النظر إلى المُرد، فإن فيهم لمحة من الحور العين.» وتفضيل الغلام على الجارية لا يخفى على أحد من الناس، وما أحسن قول أبي نواس:
وقول الشاعر:
ولأن الجارية إذ بالَغَ الواصف في وصفها، وأراد ترويجها بذِكْر محاسن أوصافها، شبَّهَها بالغلام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.