فلما كانت الليلة ٤٢٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر الجوهري البغدادي لما مرض وأيقن بالموت أحضر ولده الذي اسمه علي المصري وقال له: يا ولدي، إن الدنيا فانية، والآخرة باقية، وكل نفس ذائقة الموت، والآن يا ولدي، قد قربت وفاتي وأريد أن أوصيك وصية، إن عملتَ بها لم تزل آمِنًا سعيدًا إلى أن تلقى الله تعالى، وإن لم تعمل بها فإنه يحصل لك تعب زائد وتندم على ما فرَّطْتَ في وصيتي. فقال له: يا أبت، كيف لا أسمع ولا أعمل بوصيتك، مع أن طاعتك فرض عليَّ، وسماع قولك عليَّ واجب. فقال له: يا ولدي، إني خلفت لك أماكن ومحلات وأمتعة ومالًا لا يُحصَى، بحيث إذا كنتَ تنفق منه في كل يوم خمسمائة دينار لم ينقص عليك شيء من ذلك، ولكن يا ولدي عليك بتقوى الله واتِّبَاع ما أمر به من الفرائض، وباتِّبَاع المصطفى ﷺ فيما ورد عنه مما أمر به ونهى عنه في سنته، وكُنْ مواظِبًا على فعل الخيرات، وبذل المعروف، وصحبة أهل الخير والصلاح والعلم، وعليك بالوصية بالفقراء والمساكين، وتجنَّبِ الشحَّ والبخل وصحبة الأشرار وذوي الشبهات، وانظر لخَدَمك وعيالك بالرأفة، ولزوجتك أيضًا فإنها من بنات الأكابر، وهي حامل منك لعل الله يرزقك منها بالذرية الصالحة. وما زال يوصيه ويبكي ويقول له: يا ولدي، اسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يخلِّصك من كل ضيق يحصل لك، ويدركك بالفرج القريب منه. فبكى الولد بكاءً شديدًا وقال: يا والدي، واللهِ إني ذبتُ من هذا الكلام، كأنك تقول قول مودِّع. فقال له: نعم يا ولدي، أنا عارف بحالي، فلا تَنْسَ وصيتي. ثم إن الرجل صار يتشهَّد ويقرأ إلى أن حضر الوقت المعلوم، فقال لولده: ادْنُ مني يا ولدي. فدنا منه فقبَّله وشهق، ففارقَتْ روحه جسده وتُوفي إلى رحمة الله تعالى، فحصل لولده غاية الحزن، وعلا الضجيج في بيته، واجتمع عليه أصحاب والده، فأخذ في تجهيزه وتشهيله وأخرجه خرجة عظيمة، وحملوا جنازته إلى الصلاة فصلوا عليه وانصرفوا بجنازته إلى المقبرة فدفنوه، وقرءوا عليه ما تيسَّرَ من القرآن العظيم ثم رجعوا إلى المنزل، فعَزَّوْا ولده وانصرف كلُّ واحد منهم إلى حال سبيله، وعمل له ولده الجُمَع والختمات إلى تمام أربعين يومًا، وهو مقيم في البيت لا يخرج إلا إلى المصلَّى، ومن يوم الجمعة إلى الجمعة يزور والده، ولم يزل في صلاته وقراءته وعبادته مدةً من الزمان، حتى دخل عليه أقرانه من أولاد التجار وسلَّموا عليه وقالوا له: إلى متى هذا الحزن الذي أنت فيه، وترك شغلك وتجارتك واجتماعك على أصحابك؟ وهذا أمر يطول عليك ويحصل لجسدك منه ضرر زائد. وحين دخلوا عليه كان صحبتهم إبليس اللعين يوسوس لهم، فصاروا يحسِّنون له أن يخرج معهم إلى السوق، وإبليس يغريه بموافقتهم إلى أن وافَقَهم على الخروج معهم من البيت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.