فلما كانت الليلة ٤٢٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أولاد التجار لما دخلوا على التاجر علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري، حسَّنوا له أن يخرج معهم إلى السوق، فوافَقَهم على ذلك لأمرٍ يريده الله سبحانه وتعالى، وخرج معهم من البيت فقالوا له: اركب بغلتك وتوجَّهْ بنا إلى البستان الفلاني لنتفرج فيه ويذهب عنك الحزن والفكر. فركب بغلته وأخذ عبده معه وتوجَّهَ معهم إلى البستان الذي قصدوه، فلما صاروا في البستان ذهب واحد منهم وعمل لهم الغداء وأحضره في البستان، فأكلوا وانبسطوا وجلسوا يتحدَّثون إلى آخِر النهار، ثم ركبوا وانصرفوا وسار كلٌّ منهم إلى منزله وباتوا. فلما أصبح الصباح جاءوا إليه وقالوا له: قُمْ بنا. فقال لهم: إلى أين؟ فقالوا: إلى البستان الفلاني، فإنه أحسن من الأول وأنزه. فركب وتوجَّهَ معهم إلى البستان الذي قصدوه، فلما صاروا في البستان ذهب واحد منهم وعمل لهم الغداء وأحضره إلى البستان، وأحضر صحبته المدام المسكر، فأكلوا ثم أحضروا الشراب، فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا له: هذا الذي يُذهِب الحزن ويُجلِي السرور. ولم يزالوا يحسِّنونه له حتى غلبوا عليه، فشرب معهم، واستمروا في حديث وشرب إلى آخِر النهار، ثم توجَّهوا إلى منازلهم، ولكن علي المصري حصل له دوخة من الشراب، فدخل على زوجته وهو بهذا الحال، فقالت له: ما بالك متغيِّرًا؟ فقال: نحن اليوم كنَّا في حظ وانبساط، ولكن بعض أصحابنا جاء لنا بماء فشرب أصحابي وشربتُ معهم فحصلت لي هذه الدوخة. فقالت له زوجته: يا سيدي، هل نسيتَ وصيةَ والدك، وفعلتَ ما نهاك عنه من معاشرة أصحاب الشبهات؟ فقال لها: إن هؤلاء من أولاد التجار ولم يكونوا أصحاب شبهات، وإنما هم أصحاب حظ وانبساط.
وما زال كلَّ يوم مع أصحابه على هذه الحالة، يتوجهون إلى محل بعد محل وهم في أكل وشرب، إلى أن قالوا له: قد فرغ دورنا وصار الدور عليك. فقال لهم: أهلًا وسهلًا ومرحبًا. ولما أصبح أحضر كامل ما يحتاج إليه الحال من المأكل والمشرب أضعاف ما فعلوه، وأخذ معه الطباخين والفراشين والقهوجية، وتوجَّهوا إلى الروضة والمقياس، ومكثوا فيها شهرًا كاملًا على أكل وشرب وسماع وانبساط، فلما مضى الشهر رأى نفسه قد صرف جملةً من المال لها صورة، فغَرَّه إبليس اللعين وقال له: لو صرفتُ كلَّ يوم قدر الذي صرفتُه لم ينقص مالك. فلم يبالِ بصرف المال واستمرَّ على هذا الحال مدة ثلاث سنوات، وزوجته تنصحه وتذكِّره بوصية والده، فلم يسمع كلامها إلى أن نفَدَ المال الذي كان عنده من النقود جميعه، فصار يأخذ من الجواهر ويبيع ويصرف أثمانها إلى أن أنفدها، ثم أخذ في بيع البيوت والعقارات حتى لم يَبْقَ منها شيء، فلما نفدت صار يبيع في الضياع والبساتين واحدًا بعد واحد، إلى أن ذهبَتْ جميعها ولم يَبْقَ عنده شيء يملكه إلا البيت الذي هو فيه، فصار يقلع رخامه وأخشابه ويتصرَّف فيها إلى أن أفناها جميعها، ونظر في نفسه فلم يجد عنده شيئًا يصرفه، فباع البيت وتصرَّفَ في ثمنه، ثم بعد ذلك جاءه الذي اشترى منه البيت وقال له: انظر لك محلًّا فإني محتاج إلى بيتي. فنظر في نفسه فلم يجد عنده شيئًا يحتاج إلى بيت غير زوجته، وقد ولدَتْ منه ولدًا وبنتًا، ولم يَبْقَ عنده خَدَم غير نفسه وعياله، فأخذ له قاعة في بعض الحيشان وسكن فيها بعد العز والدلال، وكثرة الخدم والمال، وصار لا يملك قوت يوم، فقالت له زوجته: من هذا كنتُ أحذِّرك وأقول لك: احفظ وصية والدك، فلم تسمع قولي، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن أين تأكل الأولاد الصغار؟ فقُمْ وطُفْ على أصحابك أولاد التجار، لعلهم يعطونك شيئًا نتقوَّت به في هذا اليوم، فقام وتوجَّهَ إلى أصحابه واحد بعد واحد، وكلُّ مَن توجَّهَ إليه منهم يواري وجهه منه، ويُسمِعه ما يكره من الكلام المؤلم، ولم يُعطِه أحدٌ منهم شيئًا، فرجع إلى زوجته وقال لها: لم يعطوني شيئًا. فقامت إلى جيرانها لتطلب منهم شيئًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.