فلما كانت الليلة ٤٢٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري لما رجع إليها زوجها من غير شيء، قامت إلى جيرانها لتطلب شيئًا يتقوَّتون به في ذلك اليوم، فتوجَّهَتْ إلى امرأة كانت تعرفها في الأيام السابقة، فلما دخلت عليها ورأت حالها، قامت وأخذتها بقبول وبكت وقالت لها: ما الذي أصابكم؟ فحكت لها جميع ما كان من زوجها، فقالت لها: مرحبًا بك وأهلًا وسهلًا، فجميع ما تحتاجينه اطلبيه مني من غير مقابل. فقالت لها: جزاكِ الله خيرًا. ثم أعطتها ما يكفيها هي وعيالها مؤنة شهر كامل، فأخذته وتوجَّهَتْ إلى محلها، فلما رآها زوجها بكى وقال لها: من أين لك ذلك؟ فقالت له: من فلانة؟ فإني لما أخبرتها بما حصل لم تقصِّر في شيء وقالت لي: جميع ما تحتاجين إليه اطلبيه مني. فعند ذلك قال لها زوجها: حيث صار عندك هذا، فأنا متوجِّه إلى محل أقصده لعل الله تعالى يفرج عنا. وأخذ بخاطرها وقبَّل أولاده ثم خرج ولم يعرف أين يقصد، وما زال ماشيًا حتى وصل إلى بولاق، فرأى مركبًا مسافرة إلى دمياط، فرآه رجلٌ كان بينه وبين أبيه صحبه، فسلَّمَ عليه وقال له: أين تريد؟ قال: أريد دمياط، فإنَّ لي أصحابًا أسأل عنهم وأزورهم ثم أرجع. فأخذه إلى بيته وأكرمه وعمل له زادًا، وأعطاه شيئًا من الدنانير، وأنزله في المركب المتوجِّهة إلى دمياط، فلما وصلوا إليها طلع من المركب ولم يعرف أين يقصد.
فبينما هو ماشٍ إذ رآه رجل من التجار، فحنَّ عليه وأخذه معه إلى منزله، فمكث عنده مدة، وبعد ذلك قال في نفسه: وإلى متى هذا القعود في بيوت الناس؟ ثم طلع من بيت ذلك التاجر فرأى مركبًا مسافرة إلى الشام، فعمل له الرجل الذي كان نازلًا عنده زادًا وأنزله في تلك المركب، وتوجَّهَتْ بهم حتى وصلوا إلى ساحل الشام، فنزل من المركب وسافَرَ حتى دخل دمشق، فبينما هو ماشٍ في شوارعها إذ رآه رجل من أهل الخير، فأخذه إلى منزله فأقام عنده مدة، ثم بعد ذلك خرج فرأى قافلة متوجهة إلى بغداد، فخطر بباله أن يسافر مع تلك القافلة، ثم رجع إلى التاجر الذي كان مُقِيمًا عنده في منزله وأخذ خاطره وطلع مع القافلة، فحنَّنَ الله سبحانه وتعالى عليه رجل من التجار، فأخذه عنده وصار يأكل ويشرب معه إلى أن بقي بينهم وبين بغداد يوم واحد، فطلع على القافلة جماعة من قطَّاع الطريق، فأخذوا كامل ما معهم ولم ينجُ منهم إلا القليل، فسار كل واحد من القافلة يقصد محلًّا يأوي إليه، وأما علي المصري فإنه قصد بغداد، ثم وصل إليها عند غروب الشمس، وما حصل باب المدينة حتى رأى البوَّابين مرادهم أن يقفلوا الباب، فقال لهم: دعوني أدخل عندكم. فأدخلوه عندهم وقالوا له: من أين أتيتَ وإلى أين تسير؟ فقال: أنا رجل من مدينة مصر، ومعي تجارة وبغال وأحمال وعبيد وغلمان، فسبقتهم لكي أنظر لي محلًّا أحطُّ فيه تجارتي، فلما سبقتهم وأنا راكب على بغلتي قابَلَني جماعة من قطَّاع الطريق فأخذوا بغلتي وحوائجي، وما نجوت منهم إلا وأنا على آخِر رمق. فأكرموه وقالوا له: مرحبًا بك، فبِتْ عندنا إلى الصباح، ثم ننظر لك محلًّا يليق بك. ففتَّشَ في جيبه فرأى دينارًا كان باقيًا من الدنانير التي أعطاها له التاجر في بولاق، فأعطى ذلك الدينار لواحد من البوابين وقال له: خذ هذا واصرفه وائتنا بشيء نأكله. فأخذه وذهب إلى السوق وصرفه وجاء له بخبز ولحم مطبوخ، فأكل هو وإياهم ونام عندهم إلى الصباح.
ثم أخذه رجل من البوَّابين وتوجَّه إلى رجل من تجار بغداد وحكى له حكايته، فصدَّقَه ذلك الرجل وظنَّ أنه تاجر ومعه أحمال، فأطلعه دكانه وأكرمه وأرسل إلى منزله، فأحضر له بدلة عظيمة من ملبوسه وأدخله الحمام. قال علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري: فدخلتُ معه الحمام، وعند خروجنا أخذني وتوجَّهَ بي إلى منزله وأحضر لنا الغداء، فأكلنا وانبسطنا وقال لواحد من عبيده: يا مسعود، خذ سيدك واعرض عليه البيتين اللذين في المكان الفلاني، والذي يعجبه منهما أَعْطِه مفتاحه وتعال. فتوجَّهْتُ أنا والعبد حتى وصلنا إلى درب فيه ثلاثة بيوت بجانب بعضهما جديدة مقفولة، ففتح أول بيت وتفرجت عليه، وخرجنا وتوجهنا إلى الثاني ففتحه وتفرجت عليه، فقال لي: أيهما أعطيك مفتاحه؟ فقلت له: وهذا البيت الكبير لمَن؟ قال: لنا. قلت له: افتحه لأجل أن نتفرَّج عليه. فقال: ليس لك حاجة به. فقلتُ له: لِمَ ذلك؟ فقال: لأنه معمور، ولم يسكنه أحدٌ إلا ويصبح ميتًا، ولا نفتح بابه لإخراج الميت منه، بل نطلع على سطح أحد البيتين ونُخرِجه منه، فمن ذلك تركه سيدي وقال: أنا ما بقيت أعطيه لأحد. فقلت: افتحه لي حتى أتفرَّج عليه. وقلت في نفسي: هذا هو المطلوب، فأبيتُ فيه وأصبح ميتًا وأرتاح من هذا الحال الذي أنا فيه. ففتحه ودخلتُه فرأيته بيتًا عظيمًا لا مثيلَ له، فقلت للعبد: أنا ما أختار إلا هذا البيت، فأَعْطِني مفتاحَه. فقال لي العبد: لا أعطيك المفتاح حتى أشاور سيدي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.