فلما كانت الليلة ٤٢٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العبد قال لي: لا أعطيك المفتاح حتى أشاور سيدي. ثم توجَّهَ إلى سيده وقال له: إن التاجر المصري يقول: ما أسكن إلا في البيت الكبير. فقام وجاء إلى علي المصري وقال له: يا سيدي، ليس لك بهذا البيت حاجة. فقال له علي المصري: ما أسكن إلا فيه، ولا أبالي بهذا القول. فقال له: أكتب بيني وبينك حجة أنه إذا حصل لك شيء لا علاقةَ لي بك. قال: كذلك. فأحضر شاهدًا من المحكمة وكتب عليه حجة وأخذها عنده وأعطاه المفتاح، فأخذه ودخل البيت، فأرسل إليه التاجر فرشًا مع عبد، ففرشه له على المصطبة التي خلف الباب ورجع، ثم بعد ذلك قام علي المصري ودخل، فرأى بئرًا في حوش البيت وعليها منطال، فأنزله في البئر وملأه وتوضأ منه وصلَّى فرضه وجلس قليلًا، فجاء له العبد بالعشاء من بيت سيده، وجاء له بقنديل وشمعة وشمعدان وطشت وإبريق وقلَّة، ثم تركه وتوجَّهَ إلى بيت سيده، فأوقد الشمعة وتعشَّى وانبسط وصلَّى العشاء وقال في نفسه: قُمِ اطلع فوق وخذ الفرش ونَمْ هناك أحسن من هنا. فقام وأخذ الفرش وأطلعه فوق، فرأى قاعةً عظيمةً سقفها مُذهَّب، وأرضها وحيطانها بالرخام الملون، ففرش فرشة وجلس يقرأ شيئًا من القرآن العظيم، فلم يشعر إلا وشخص يناديه ويقول له: يا علي يا ابن حسن، هل أُنزِل عليك الذهب؟ قال له: وأين الذهب الذي تُنزِله؟ فما قال له ذلك حتى صبَّ عليه ذهبًا كالمنجنيق، ولم يزل الذهب منصبًّا حتى ملأ القاعة، فلما فرغ انصباب الذهب قال له: اعتقني حتى أتوجَّه إلى حال سبيلي، فقد فرغَتْ خدمتي. فقال له علي المصري: أقسمتُ عليك بالله العظيم أن تخبرني عن سبب هذا الذهب؟ فقال له: إن هذا الذهب كان مرصودًا عليك من قديم الزمن، وكان كلُّ مَن دخل هذا البيت نأتيه ونقول له: يا علي يا ابن حسن، هل نُنزِل الذهب؟ فيخاف من كلامنا ويصرخ، فنُنْزِل له ونكسر رقبته ونروح، فلما جئتَ أنت وناديناك باسمك واسم أبيك، وقلنا لك: هل نُنزِل الذهب؟ قلت لنا: وأين الذهب؟ فعرفنا أنك صاحبه فأنزلناه، وبقي لك كنز في بلاد اليمن، فإذا سافرتَ وأخذتَه وأتيتَ إلى هنا كان أولى لك، وأريد منك أن تعتقني حتى أروح إلى حال سبيلي. فقال: والله ما أعتقك إلا إذا أتيتَني بالذي في بلاد اليمن إلى هنا. فقال له: إذا أتيتُكَ به هل تعتقني وتعتق خادم ذلك الكنز؟ فقال: نعم. قال له: احلف لي. فحلف له، وأراد أن يتوجَّه فقال له علي المصري: بقي لي عندك حاجة. قال: وما هي؟ قال: لي زوجة وأولاد بمصر في المحل الفلاني ينبغي أن تأتيني بهم على راحة من غير ضرر. فقال له: آتيك بهم في موكب من تختروان، وخدم وحشم مع الكنز الذي نأتيك به من بلاد اليمن إن شاء الله تعالى.
ثم أخذ منه إجازة على ثلاثة أيام، ويكون جميع ذلك عنده وتوجه، فأصبح يدور في القاعة على محل يأوي فيه الذهب، فرأى رخامة على طرف ليوان القاعة وفيها لولب، فرك اللولب فانزاحت الرخامة وبان له باب ففتحه ودخل، فرأى خزنة كبيرة وفيها أكياس من القماش مخيطة، فصار يأخذ الأكياس ويملؤها من الذهب ويُدخِلها في الخزنة، إلى أن حوَّلَ الذهب جميعه وأدخَلَه الخزنة وقفل الباب وفرك اللولب، فرجعت الرخامة محلها، ثم قام ونزل وقعد على المصطبة التي وراء الباب، فبينما هو قاعد وإذا بطارق يطرق عليه الباب، فقام وفتحه فرآه عبد صاحب البيت، فلما رآه العبدُ جالسًا رجع بسرعة إلى سيده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.