فلما كانت الليلة ٣٢١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن النصراني قال: العفو يا ملك الزمان، إنك صادق في ضرب الرمل، فإن الأبعد نصراني. فتعجب الحاضرون من الأمراء وغيرهم من إصابة الملك في ضرب الرمل، وقالوا: إن هذا الملك منجِّم ما في الدنيا مثله. ثم إن الملكة أمرت بأن يُسلَخ النصراني ويُحشَى جلده تبنًا، ويُعلَّق على باب الميدان، وأن تُحفَر حفرة في خارج البلد ويُحرَق فيها لحمه وعظمه، وتُرمَى عليه الأوساخ والأقذار، فقالوا: سمعًا وطاعة. وفعلوا جميع ما أمرتهم به، فلما نظر الخلق ما حلَّ بالنصراني قالوا: جزاؤه ما حلَّ به، فما كان أشأمها لقمة عليه! فقال واحد منهم: على البعيد الطلاق، عمري ما بقيت آكل أرزًا حلوًا. فقال الحشاش: الحمد لله الذي عافاني مما حلَّ بهذا؛ حيث حفظني من أكل ذلك الأرز. ثم خرج الناس جميعهم وقد حرموا الجلوس على الأرز الحلو في موضع ذلك النصراني. ولما كان الشهر الثالث، مدوا السماط على جري العادة، وملئُوه بالأصحن، وقعدت الملكة على الكرسي، ووقف العسكر على جري العادة وهم خائفون من سطوتها، ودخلت الناس من أهل المدينة على العادة، وداروا حول السماط، ونظروا إلى موضع الصحن، فقال واحد منهم للآخر: يا حاج خلف. قال له: لبيك يا حاج خالد. قال: تجنَّبِ الصحنَ الأرز الحلو، واحذر أن تأكل منه، فإن أكلت منه تصبح مشنوقًا.
ثم إنهم جلسوا حول السماط للأكل، فبينما هم يأكلون والملكة زمرد جالسة، إذ حانت منها التفاتة إلى رجل داخل يهرول من باب المدينة، فتأمَّلته فوجدته جوان الكردي اللص الذي قتل الجندي، وسبب مجيئه أنه كان ترك أمه ومضى إلى رفقائه، وقال لهم: إني كسبت البارحة كسبًا طيبًا وقتلت جنديًّا، وأخذت فرسه، وحصل لي في تلك الليلة خُرْج ملآن ذهبًا، وصبية قيمتها أكثر من الذهب الذي في الخُرْج، ووضعت جميع ذلك في الغار عند والدتي. ففرحوا بذلك، وتوجهوا إلى الغار في آخِر النهار، ودخل جوان الكردي قدامهم وهم خلفه، وأراد أن يأتي لهم بما قال لهم عليه، فوجد المكان قفرًا، فسأل أمه عن حقيقة الأمر فأخبرته بجميع ما جرى؛ فعضَّ على كفَّيْه ندمًا وقال: والله لأدورنَّ على هذه الفاجرة، وآخذها من المكان الذي هي فيه، ولو كانت في قشور الفستق، وأشفي غليلي منها. وخرج يفتش عليها، ولم يزل دائرًا في البلاد حتى وصل إلى مدينة الملكة زمرد. فلما دخل المدينة لم يجد فيها أحدًا، فسأل بعض النساء الناظرات من الشبابيك، فأعلمنه أن أول كل شهر يمد السلطان سماطًا، وتروح الناس وتأكل منه، ودلُّوه على الميدان الذي يُمَدُّ فيه السماط، فجاء وهو يهرول فلم يجد مكانا خاليًا يجلس فيه إلا عند الصحن المتقدِّم ذكره، فقعد وصار الصحن قدَّامه فمدَّ يده إليه، فصاحت عليه الناس وقالوا له: يا أخانا، ما تريد أن تعمل؟ قال: أريد أن آكل من هذا الصحن حتى أشبع. فقال له واحد: إن أكلت منه تصبح مشنوقًا. فقال له: اسكت، ولا تنطق بهذا الكلام. ثم مدَّ يده إلى الصحن وجرَّه قدَّامه، وكان الحشاش المتقدم ذكره جالسًا في جنبه، فلمَّا رآه جرَّ الصحن قدامه هرب من مكانه، وطارت الحشيشة من رأسه، وجلس بعيدًا وقال: أنا ما لي حاجة بهذا الصحن. ثم إن جوان الكردي مدَّ يده إلى الصحن وهي في صورة رجل الغراب، وغرف بها وأطلعها منه وهي في صورة خُفِّ الجمل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.