فلما كانت الليلة ٤٣٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنهم لم يزالوا سائرين في موكبهم؛ الرجال مع التاجر علي المصري، والنساء مع حريمه، حتى دخلوا المنزل ونزلوا، وأدخلوا البغال بأحمالها في وسط الحوش، ثم نزلوا الأحمال وخزنوها في الحواصل، وطلع الحريمات مع الحريم إلى القاعة، فرأوها مثل الروضة الغنَّاء، مفروشة بالفرش العظيم، فجلسوا في حظ وسرور، واستمروا جالسين إلى وقت الظهر، فطلع الغداء لهم على أحسن ما يكون من أنواع الأطعمة والحلويات، فأكلوا وشربوا الشربات العظيمة، وتطيَّبوا بعدها بماء الورد والبخور، ثم أخذوا خاطره وانصرفوا إلى محلاتهم رجالًا ونساء، ولما رجع التجار إلى أماكنهم صاروا يرسلون إليه الهدايا على قدر أحوالهم، وصار الحريمات يهادين الحريم إلى أن جاء لهم شيء كثير من جوارٍ وعبيد ومماليك، ومن كامل الأصناف كالحبوب والسكر وغير ذلك من الخير الذي لا يُحصَى، وأما التاجر البغدادي صاحب البيت الذي هو فيه، فإنه أستمرَّ مُقِيمًا عنده ولم يفارقه وقال له: خل العبيد والخدم يُدخِلون البغال وغيرها من البهائم في بيت من البيوت لأجل الراحة. فقال له: إنهم مسافرون في هذه الليلة إلى محل كذا. وأعطاهم إجازة بأن يخرجوا إلى خارج المدينة حتى يأتي الليل يسافرون، فما صدقوا أن يعيطهم الإجازة بذلك حتى آخذوا خاطره، وانصرفوا إلى ظاهر المدينة وطاروا في الهواء إلى أماكنهم.
وقعد التاجر علي مع صاحب البيت الذي هو فيه إلى ثلث الليل، ثم انفضَّ مجلسهما وذهب صاحب البيت إلى محله، وطلع التاجر علي إلى حريمه وسلَّمَ عليهم وقال لهم: ما الذي جرى لكم بَعْدي في هذه المدة؟ فأخبرته زوجته بما قاسوه من الجوع والعري والتعب، فقال لها: الحمد لله على السلامة، وكيف جئتُم؟ فقالت: يا سيدي، بينما أنا نائمة مع أولادي ليلةَ البارحة، فلم أشعر إلا والذي رفعني عن الأرض أنا وأولادي إلى أن صرنا طائرين في الهواء، ولكن لم يحصل لنا ضرر، ولم نزل طائرين حتى نزلنا على الأرض في مكان على شكل حلة العرب، فرأينا هناك بغالًا محمَّلة وتختروانًا على بغلتين كبيرتين، وحوله خدم من غلمان ورجال، فقلت لهم: مَن أنتم؟ وما هذه الأحمال؟ ونحن في أي مكان؟ فقالوا: نحن خدَّام التاجر علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري، وقد أرسلنا نأخذكم ونوصلكم إليه في مدينة بغداد. فقلتُ لهم: وهل المسافة التي بيننا وبين بغداد بعيدة أم قريبة؟ فقالوا لي: قريبة، فما بيننا وبينها غير سواد الليل. ثم أركبونا في التختروان، فما أصبح الصباح إلا ونحن عندكم ولم يحصل لنا ضرر قطُّ. فقال لها: ومَن أعطاكم هذا الملبس؟ فقالت: مقدم القافلة؛ فتح صندوقًا من الصناديق التي على البغال وأخرَجَ منه هذه الحلل، فألبسني حلة وألبس أولادك كل واحد حلة، ثم قفل الصندوق الذي أخذ منه الحلل وأعطاني مفتاحه، وقال لي: احرصي عليه حتى تعطيه لزوجك. وها هو محفوظ عندي، ثم أخرَجَتْه له، فقال لها: هل تعرفين الصندوق؟ قالت: نعم أعرفه. فقام ونزل معها إلى الحواصل وأراها الصناديق، فقالت له: هذا هو الصندوق الذي أخذ منه الحلل. فأخذ المفتاح منها وحطَّه في القفل وفتحه، فرأى فيه حللًا كثيرة، ورأى فيه مفاتيح كامل الصناديق، فأخذها منه وصار يفتح الصناديق صندوقًا بعد ويتفرج على ما فيها من الجواهر والمعادن الكنوزية التي لم يوجد عند أحدٍ من الملوك نظيرها، ثم قفلها وأخذ مفاتيحها وطلع هو وزوجته إلى القاعة وقال لها: هذا من فضل الله تعالى. ثم بعد ذلك أخذها وتوجه بها إلى الرخامة التي فيها اللولب، وفركه وفتح باب الخزنة ودخل هو وإياها وفرَّجها على الذهب الذي وضعه فيها، فقالت له: من أين جاءك هذا كله؟ فقال لها: جاءني من فضل ربي، فإني خرجتُ من عندك بمصر … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.