فلما كانت الليلة ٤٣١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه لما فرَّجَ التاجر علي المصري زوجتَه على الذهب، قالت له: من أين جاءك هذا كله؟ فقال لها: جاءني من فضل ربي، فإني خرجت من عندك بمصر وطلعت وأنا لا أدري أين أذهب، فتمشيت حتى وصلت إلى بولاق، فوجدت مركبًا مسافرة إلى دمياط فنزلت فيها، فلما وصلت إلى دمياط قابلني رجل تاجر كان يعرف والدي فأخذني وأكرمني وقال لي: إلى أين تسافر؟ فقلت له: أريد أن أسافر إلى دمشق الشام، فإن لي فيها أصحابًا. وحكى لها ما وقع له من أوله إلى آخِره، فقالت له: يا سيدي، هذا كله ببركة دعاء والدك حين كان يدعو لك قبل موته ويقول: أسأل الله ألَّا يوقعك في شدة إلا ويدركك بالفرج القريب. فالحمد لله تعالى حيث أتاك بالفرج وعوَّضَ عليك بأكثر مما ذهب منك، فبالله عليك يا سيدي لا تَعُدْ إلى ما كنت فيه من عِشْرة أصحاب الشُّبَه، وعليك بتقوى الله تعالى في السر والعلانية. وصارت توصيه، فقال لها: قبلتُ وصيتك، وأسال الله تعالى أن يُبعِد عنَّا أقرانَ السوء، وأن يوفِّقنا لطاعته واتِّباع سُنَّة نبيه ﷺ، وصار هو وزوجه وأولاده في أرغد عيش، ثم إنه أخذ له دكانًا في سوق التجار، ووضع فيه شيئًا من الجواهر والمعادن المثمنة وجلس في الدكان وعنده أولاده ومماليكه، وصار أجلَّ التجَّار في مدينة بغداد، فسمع بخبره ملك بغداد، فأرسل إليه رسولًا بطلبه، فلما جاءه الرسول قال له: أجِبِ الملكَ فإنه يطلبك. فقال: سمعًا وطاعةً. ثم جهَّزَ هديةً للملك، فأخذ أربع صواني من الذهب الأحمر وملأها من الجواهر والمعادن التي لا يوجد مثلها عند الملوك، وأخذ الصواني وطلع بها إلى الملك.
فلما دخل عليه قبَّلَ الأرض بين يدَيْه ودعا له بدوام العز والنِّعَم وأحسن ما به تكلَّم، فقال له الملك: يا تاجر، قد آنستَ بلادنا. فقال له: يا ملك الزمان، إن العبد أتاك بهدية ويرجو من فضلك قبولها. ثم قدَّمَ الأربع صواني بين يدَيْه، فكشف عنها الملك وتأملها، فرأى فيها شيئًا من الجواهر لم يكن عنده مثله، وقيمته تساوي خزائن مال. فقال له: هديتك مقبولة يا تاجر، وإن شاء الله تعالى نجازيك بمثلها. فقبَّلَ يدي الملك وانصرف من عنده، فأحضر الملك أكابر دولته وقال لهم: كم ملكًا من الملوك خطب ابنتي؟ قالوا له: كثير. فقال لهم: هل أحد منهم هاداني بمثل هذه الهدية؟ فقالوا جميعًا: لا، لأنه لا يوجد عند أحدٍ منهم مثل هذا قطُّ. فقال الملك: استخرتُ الله تعالى في أن أزوِّجَ ابنتي لهذا التاجر، فما تقولون؟ فقالوا له: الأمر كما ترى. فأمر الطواشية أن يحملوا الأربع صواني بما فيها ويُدخِلوها إلى سرايته، ثم اجتمع بزوجته ووضع الصواني بين يدَيْها، فكشفت عنها فرأت فيها شيئًا لم يكن عندها مثله ولا قطعة واحدة، فقالت له: من أي الملوك هذا؟ لعله من أحد الملوك الذين خطبوا بنتك. فقال: لا، وإنما هذا من رجل تاجر مصري جاء عندنا في هذه المدينة، فلما سمعتُ بقدومه أرسلتُ إليه رسولًا يُحضِره لنا كي نصاحبه، لعلنا نجد عنده شيئًا من الجواهر فنشتريه منه من أجل جهاز بنتنا، فامتثل أمرنا وجاء لنا بهذه الأربع صواني وقدَّمَها لنا هدية، فرأيتُه شابًّا حسنًا ذا مهابة وعقل كامل وشكل ظريف يكاد أن يكون من أبناء الملوك، فلما رأيتُه مالَ إليه قلبي وانشرح له صدري، وأحبَبْتُ أن أزوِّجه بنتي، وقد عرضتُ الهدية على أرباب دولتي وقلت لهم: كم واحدًا من الملوك خطب ابنتي؟ فقالوا: كثير. فقلت لهم: وهل جاءني أحد منهم بمثل ذلك؟ فقالوا كلهم: لا والله يا ملك الزمان، إنه لا يوجد عند أحد منهم مثل ذلك. فقلت لهم: إني استخرتُ الله تعالى في أن أزوِّجه ابنتي، فما تقولون؟ قالوا: الأمر كما تراه. فما تقولين أنتِ في جوابك؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.