فلما كانت الليلة ٤٣٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ملك مدينة بغداد لما عرض الهدية على زوجته وأخبرها بشمائل التاجر علي الجوهري، وأنه يريد أن يزوِّجه ابنته، ثم قال لها: فما تقولين أنتِ في جوابك؟ قالت له: الأمر لله ولك يا ملك الزمان، والذي يريده الله هو الذي يكون. فقال: إن شاء الله تعالى لا نزوِّجها إلا لهذا الشاب. وبات تلك الليلة، فلما أصبح الصباح طلع إلى ديوانه وأمر بإحضار التاجر علي المصري وكامل تجار بغداد، فحضروا جميعًا، فلما تمثَّلوا بين يدَيِ الملك أمرهم بالجلوس فجلسوا، ثم قال: أحضروا قاضي الديوان. فحضر بين يدَيْه فقال له: يا قاضي، اكتب كتاب ابنتي على التاجر علي المصري. فقال علي المصري: العفو يا مولانا السلطان، لا يصح أن يكون صهر الملك تاجر مثلي. فقال الملك: قد أنعمتُ عليك بذلك وبالوزارة. ثم خلع عليه خلعة الوزراء في الحال، فعند ذلك جلس على كرسي الوزارة وقال: يا ملك الزمان، أنت أنعمتَ عليَّ بذلك وقد تشرَّفْتُ بإنعامك، ولكن اسمع لي كلمة أقولها لك. فقال: قُلْ ولا تَخَفْ. قال: حيث صدر أمرك الشريف بزواج ابنتك، فينبغي أن يكون زواجها لولدي. فقال: هل لك ولد؟ قال: نعم. فقال الملك: أرسِلْ إليه في هذه الساعة. فقال: سمعًا وطاعةً. ثم أرسل واحدًا من مماليكه إلى ولده وأحضره، فلما حضر بين يدي الملك قبَّلَ الأرض بين يدَيْه ووقف متأدِّبًا، فنظر إليه الملك فرآه أجمل من بنته وأحسن منها قدًّا واعتدالًا وبهجةً وكمالًا، فقال له: ما اسمك يا ولدي؟ فقال: يا مولانا السلطان اسمي حسن. وكان عمره حينئذٍ أربعة عشر عامًا، فقال الملك للقاضي: اكتب كتابَ بنتي حسن الوجود على حسن ابن التاجر علي المصري. فكتب كتابه عليها وتمَّ الأمر على أحسن حال، وانصرف كلُّ مَن في الديوان إلى سبيله، ونزل التجار خلف الوزير علي المصري إلى أن وصل إلى منزله وهو في منصب الوزارة، ثم هنوه بذلك وانصرفوا إلى حال سبيلهم.
ثم دخل الوزير علي المصري على زوجته، فرأته لابسًا خلعة الوزارة، فقالت له: ما هذا؟ فحكى لها الحكاية من أولها إلى آخِرها وقال لها: إن الملك زوَّجَ ابنته لحسن ولدي. ففرحت بذلك فرحًا زائدًا، ثم بات علي المصري تلك الليلة، ولما أصبح الصباح طلع الديوان، فلاقاه الملك ملاقاةً حَسَنة وأجلَسَه إلى جانبه وقرَّبَه منه، وقال له: يا وزير، قصدنا أننا نقيم الفرح ونُدخِل ابنَك على بنتي. فقال: يا مولانا السلطان، ما تراه حسنًا فهو حسن. فأمر الملك بقيام الفرح وزيَّنوا المدينة، واستمروا في إقامة الفرح ثلاثين يومًا وهم في هناء وسرور، وفي تمام الثلاثين يومًا دخل حسن ابن الوزير على بنت الملك وتمتَّع بحُسْنها وجمالها، وأما زوجة الملك فإنها حين رأت زوج ابنتها أحَبَّتْه حبًّا شديدًا، وكذلك فرحت بأمه فرحًا زائدًا.
ثم إن الملك أمر لحسن ابن الوزير بسراية، فبنوا له سراية عظيمة بسرعة، وسكن فيها ابن الوزير، وصارت أمه تقعد عنده أيامًا ثم تنزل إلى بيتها، فقالت زوجة الملك لزوجها: يا ملك الزمان، إن والدة حسن لا يمكنها أن تقعد عند ولدها وتترك الوزير، ولا يمكنها أن تقعد عند الوزير وتترك ولدها. فقال: صدقتِ. وأمر أن تُبنَى سراية ثالثة بجنب سراية حسن ابن الوزير، فبنوا سراية ثالثة في أيام قلائل، وأمر الملك أن ينقلوا حوائج الوزير إلى السراية، فنقلوها وسكن بها الوزير، وصارت الثلاث سرايات نافذات لبعضها، فإذا أراد الملك أن يتحدَّث مع الوزير يمشي له ليلًا أو يرسل إليه يُحضِره، وكذلك حسن وأمه وأبوه، وما زالوا مع بعضهم في حالة مرضية وعيشة هنية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.