فلما كانت الليلة ٤٣٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك والوزير وابنه ما زالوا مع بعضهم في حالة مرضية وعيشة هنية مدة من الزمان، ثم إن الملك حصل له ضعف وزاد سقمه، فأحضر أكابر دولته وقال لهم: إنه حصل لي مرض شديد وربما كان مرض الموت، وأحضرتكم لأشاوركم في أمرٍ، فشوروا عليَّ بما ترونه حسنًا. فقالوا: إني صرت كبيرًا وقد مرضتُ وأخاف على المملكة بعدي من الأعداء، وقصدي أن تتفقوا أنتم الجميع على واحد حتى أبايعه على المملكة في حياتي لكي ترتاحوا. فقالوا جميعًا: نحن نرضى كلنا بزوج ابنتك حسن ابن الوزير علي، فإننا رأينا عقله وكماله وفهمه، وهو يعرف مقام الكبير والصغير. فقال لهم الملك: وهل رضيتم بذلك؟ قالوا: نعم. قال لهم: ربما تقولون ذلك بين يديَّ حياءً مني، وفي خلفي تقولون غير ذلك! فقالوا جميعًا: والله إن كلامنا ظاهرًا وباطنًا واحد لا يتغيَّر، وقد ارتضيناه بطيب قلوبنا وانشراح صدورنا. فقال لهم: إن كان الأمر كذلك فأَحْضِروا قاضي الشرع الشريف، وسائر الحجاب والنوَّاب وأرباب الدولة جميعًا بين يدي في غدٍ، ونتمِّم الأمر على أحسن حال. فقالوا له: سمعًا وطاعة. ثم انصرفوا من عنده ونبَّهوا على كامل العلماء ووجهاء الناس من الأمراء.
فلما أصبح الصباح طلعوا إلى الديوان وأرسلوا إلى الملك يستأذنونه في الدخول عليه، فأذِنَ لهم، فدخلوا وسلموا عليه وقالوا: نحن الجميع قد حضرنا بين يديك. فقال لهم الملك: يا أمراء بغداد، مَن ترضوا يكون عليكم ملكًا بعدي لأجل أن أبايعه في حياتي قبل مماتي في حضوركم جميعًا؟ فقالوا كلهم: قد اتفقنا على حسن ابن الوزير عليٍّ زوج ابنتك. فقال لهم: إن كان الأمر كذلك فقوموا جميعًا وأحضروه بين يدي. فقاموا جميعًا ودخلوا سرايته وقالوا له: قُمْ بنا إلى الملك. فقال لهم: لأي شيء؟ فقالوا له: لأمرٍ فيه صلاحٌ لنا ولك. فقام معهم حتى دخلوا على الملك، فقبَّلَ حسن الأرض بين يدَيْه، فقال له الملك: اجلس يا ولدي. فجلس، فقال له: يا حسن، إن الأمراء جميعًا استرضوا عنك واتفقوا على أن يجعلوك ملكًا عليهم من بعدي، وقصدي أن أبايعك في حياتي لأجل انفضاض الأمر. فعند ذلك قام حسن وقبَّلَ الأرض بين يدي الملك وقال له: يا مولانا الملك، إن في الأمراء مَن هو أكبر مني سنًّا وأعلى قدرًا، فأقيلوني من ذلك الأمر. فقالت الأمراء جميعًا: لا نرضى إلا أن تكون مَلِكًا علينا. فقال لهم: إن أبي أكبر مني، وأنا وأبي شيء واحد ولا يصح تقديمي عليه. فقال له أبوه: أنا لا أرضى إلا بما رضي به إخواني، وقد رضوا بك واتفقوا عليك، فلا تخالف أمر الملك ولا أمر إخوانك. فأطرَقَ حسن برأسه إلى الأرض حياءً من الملك ومن أبيه، فقال لهم الملك: هل رضيتم به؟ قالوا: رضينا به. فقرءوا جميعًا على ذلك فواتح سبع، ثم قال الملك: يا قاضي، اكتب حجةً شرعيةً على هؤلاء الأمراء أنهم اتفقوا على سلطنة حسن زوج بنتي، وأنه يكون عليهم مَلِكًا. فكتب الحجة بذلك وأمضاها بعد أن بايعوه جميعًا على المُلْك، وبايَعَه الملك وأمره بالجلوس على كرسي المملكة، فقاموا جميعًا وقبَّلوا يدَيِ الملك حسن ابن الوزير وأبدوا له الطاعة، فحكم في ذلك النهار حكمًا عظيمًا، وخلع على أرباب الدولة الخلع السنية، ثم انفَضَّ الديوان ودخل حسن على والد زوجته وقبَّلَ يدَيْه، فقال له: يا حسن عليك بتقوى الله في الرعية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.