فلما كانت الليلة ٤٣٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك حسن لما فرغ من الديوان دخل على والد زوجته وقبَّلَ يديه، فقال له: يا ولدي، عليك بتقوى الله في الرعية. فقال له: بدعائك لي يا والدي يحصل لي التوفيق. ثم دخل سرايته فلاقته زوجته هي وأمها وأتباعها وقبَّلوا يدَيْه وقالوا له: يوم مبارك. وهنوه بالمنصب، ثم قام من سرايته ودخل سراية والده، وفرحوا فرحًا زائدًا بما أنعم الله به عليه من تقليد الملك، وأوصاه والده بتقوى الله والشفقة على الرعية، وبات تلك الليلة في فرح وسرور إلى الصباح، ثم صلى فرضه وختم ورده وطلع إلى الديوان، وطلع إليه كامل العسكر وأرباب المناصب، فحكم بين الناس وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وولَّى وعزل، ولم يزل في الحكومة إلى آخِر النهار، ثم انفضَّ الديوان على أحسن حال، وانصرف العسكر وسار كل واحد منهم إلى حال سبيله. ثم قام ودخل السراية فرأى والد زوجته قد ثقل عليه الضعف، فقال له: لا بأس عليك. ففتح عينيه وقال له: يا حسن. قال: لبيك يا سيدي. قال له: أنا الآن قد قرب أجلي فكُنْ متوصيًا بزوجتك ووالدتها، وعليك بتقوى الله وبر والديك، واخشَ مهابة الملك الديَّان، واعلم بأن الله يأمر بالعدل والإحسان. فقال له الملك حسن: سمعًا وطاعةً. ثم إن الملك القديم أقام ثلاثة أيام بعد ذلك وتُوفِّيَ إلى رحمة الله تعالى، فجهَّزوه وكفَّنوه وعملوا له القراءات والختمات إلى تمام الأربعين يومًا، واستقل الملك حسن ابن الوزير بالملك، وفرحت به الرعية، وكانت أيامه كلها سرورًا، وما زال والده وزيرًا كبيرًا على ميمنته، وأتخذ له وزيرًا آخَر على ميسرته، واستقامت به الأحوال، ومكث مَلِكًا في بغداد مدةً مستطيلةً، ورُزِق من بنت الملك ثلاثة أولاد ذكور، وتوارثوا المملكة من بعده، وصاروا في أرغد عيش وأهناه، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، فسبحان مَن له الدوام وبيده النقض والإبرام.
حكاية رجل من الحُجَّاج وامرأة عجوز
ومما يُحكَى أن رجلًا من الحجاج نام نومة طويلة ثم انتبه، فلم يَرَ للحُجَّاج أثرًا، فقام يمشي فضَلَّ عن الطريق، وصار يسير إلى أن رأى خيمة ورأى امرأة عجوزًا على باب الخيمة، ووجد عندها كلبًا نائمًا، فدنا من الخيمة ثم سلَّمَ على العجوز وطلب منها طعامًا، فقالت: امضِ إلى ذلك الوادي واصطد من الحيات بقدر كفايتك لأشوي لك منها وأُطعِمك. فقال لها الرجل: أنا لا أجسر على أن أصطاد الحيات، وما أكلتها قطُّ. فقالت العجوز: أنا أمضي معك وأتصيَّد منها، فلا تخف. ثم إنها مضت معه وتبعها الكلب، فاصطادت من الحيات بقدر الكفاية، وجعلت تشوي منها. قال: فلم يَرَ الرجل الحاج من الأكل بدًّا، وخاف من الجوع والهزال، فأكل من تلك الحيات، ثم إنه عطش فطلب من العجوز ماءً ليشرب، فقالت له: دونك والعين فاشرب منها. فمضى إلى العين فوجد ماءَها مُرًّا، ولم يجد له من شربه بدًّا، مع شدة مرارته؛ لما لحقه من العطش، فشرب ثم عاد للعجوز وقال لها: عجبًا منك أيتها العجوز ومن مقامك بهذا الموضع ومكثك في هذا المكان! وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.