فلما كانت الليلة ٤٣٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجل الحاج لما شرب من ماء العين المر لكثرة ما لحقه من العطش، ثم عاد للعجوز وقال لها: أعجب أيتها العجوز منك ومن مقامك بهذا الموضع واغتذائك بهذا الطعام وشربك من هذا الماء! قالت له العجوز: فكيف تكون بلادكم؟ قال لها: إن في بلادنا الدُّورَ الواسعة الرَّحبة، والفواكه اليانعة اللذيذة، والمياه الغزيرة العذبة، والأطعمة الطيبة، واللحوم السمينة، والغنم الكثيرة، وكل شيء طيب، والخيرات الحسان اللاتي لا يكون مثلهن إلا في الجنة التي وصفها الله تعالى لعباده الصالحين. فقالت العجوز: قد سمعت هذا كله، فقل لي: هل يكون لكم من سلطان يحكم عليكم ويجور في حكمه وأنتم تحت يده؟ وإن أذنب أحد منكم أخذ أمواله وأتلفه؟ وإذا أراد أخرجكم من بيوتكم واستأصل شأفتكم؟ فقال لها الرجل: قد يكون ذلك. فقالت العجوز: إذًا والله يكون ذلك الطعام اللطيف، والعيش الظريف، والنِّعَم اللذيذة، مع الجور والظلم سمًّا ناقعًا، وتعود أطعمتنا مع الأمن درياقًا نافعًا؛ أَمَا سمعتَ أن أجلَّ النعيم بعد الإسلام الصحةُ والأمن، وإنما يكون هذا من عدل السلطان خليفة الله في أرضه وحُسْن سياسته، وكان مَن تقدَّمَ من السلاطين يحبُّ أن يكون له أدني هيبة، بحيث إذا رأته الرعية خافوه، وسلطان هذا الزمان يحب أن يكون له أوفى سياسة وأتم هيبة؛ لأن الناس الآن ليسوا كالمتقدِّمين، وزماننا هذا زمان ذوي الوصف الذميم والخطب الجسيم؛ حيث اتصفوا بالسفاهة والقساوة، وانطووا على البغضاء والعداوة، وإذا كان السلطان والعياذ بالله تعالى بينهم ضعيفًا أو غير ذي سياسة وهيبة، فلا شك في أن ذلك يكون سببًا لخراب البلاد، وفي الأمثال: جور السلطان مائة سنة ولا جور الرعية بعضهم على بعض سنة واحدة. وإذا جارت الرعية سلَّطَ الله عليهم سلطانًا جائرًا ومَلِكًا قاهرًا، كما ورد في الأخبار: أن الحَجَّاج بن يوسف رُفِعت إليه في بعض الأيام قصةٌ مكتوب فيها: اتقِّ الله ولا تُجِرْ على عباد الله كلَّ الجور. فلما قرأ القصة رقي المنبر وكان فصيحًا، فقال: أيها الناس، إن الله تعالى سلَّطَني عليكم بأعمالكم … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.