فلما كانت الليلة ٤٣٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الحجَّاج بن يوسف لما قرأ القصة، رقي المنبر وكان فصيحًا، فقال: أيها الناس، إن الله تعالى سلَّطَني عليكم بأعمالكم، فإنْ أنا متُّ فأنتم لا تخلصون من الجور مع هذه الأعمال السيئة؛ لأن الله تعالى خلق أمثالي خلقًا كثيرًا، وإذا لم أكن أنا، كان مَن هو أكثر مني شرًّا وأعظم جورًا وأشد سطوةً، كما قال الشاعر في معنى ذلك:
والجور يخاف منه، والعدل أصلح كل شيء. نسأل الله أن يُصلِح أحوالنا.
حكاية الجارية تودُّد
ومما يُحكَى أنه كان ببغداد رجل ذو مقدار، وكان موسرًا بالمال والعقار، وهو من التجار الكبار، وقد وسَّع الله عليه دنياه، ولم يبلغه من الذرية ما يتمناه، ومضت عليه مدة من الزمان، ولم يُرزَق بإناثٍ ولا ذكران، فكَبِر سنُّه، ورَقَّ عَظْمه، وانحنى ظهره، وكثر وهنه وهمُّه، فخاف ذهابَ ماله ونسبه، إذا لم يكن له ولد يَرِثه ويُذكَر به؛ فتضرَّعَ إلى الله تعالى، وصام النهار وقام الليل، ونذر النذور لله تعالى الحي القيوم، وزار الصالحين، وأكثر التضرع إلى الله تعالى؛ فاستجاب الله له وقَبِل دعاه، ورحم تضرُّعه وشكواه، فما كان إلا قليل من الأيام حتى جامَعَ إحدى نسائه، فحملت منه في ليلتها ووقتها وساعتها، وأتَمَّتْ أَشْهُرها ووضعت حملها، وجاءت بذَكَر كأنه فلقة قمر؛ فأوفى بالنذر شكرًا الله — عزَّ وجَلَّ — وأخرج الصدقات، وكسا الأرامل والأيتام. وليلة سابع الولادة سمَّاه بأبي الحسن؛ فأرضعته المراضع، وحضنته الحواضن، وحملته المماليك والخدم إلى أن كَبُر ونشأ، وترعرع وانتشأ، وتعلَّم القرآن العظيم، وفرائض الإسلام وأمور الدين القويم، والخط والشعر والحساب، والرمي بالنشاب؛ فكان فريدَ دهْرِه وأحسنَ أهلِ زمانه وعصره، ذا وجه مليح، ولسان فصيح، يتهادى تمايلًا واعتدالًا، ويتزاهى تدلُّلًا واختيالًا، بخدٍّ أحمر، وجبين أزهر، وعذار أخضر، كما قال فيه بعض واصفيه:
فأقام مع أبيه برهة من الزمن في أحسن حال، وأبوه به فَرِح مسرور، إلى أن بلغ مبالغ الرجال، فأجلسه أبوه بين يديه يومًا من الأيام، وقال له: يا ولدي، إنه قد قرب الأجل، وحانت وفاتي، ولم يَبْقَ غير لقاء الله عزَّ وجلَّ، وقد خلَّفت لك ما يكفيك إلى ولد الولد من المال المتين، والضِّياع والأملاك والبساتين؛ فاتَّقِ الله تعالى يا ولدي فيما خلَّفته لك، ولا تتبع إلا من رفدك. فلم يكن إلا قليل حتى مرض الرجل ومات، فجهَّزه ولده أحسن تجهيز، ودفنه ورجع إلى منزله، وقعد للعزاء أيامًا وليالي، وإذا بأصحابه قد دخلوا عليه وقالوا له: مَن خلَّف مثلك ما مات، وكل ما فات فقد فات، وما يصلح العزاء إلا للبنات والنساء المخدرات. ولم يزالوا به حتى دخل الحمام، ودخلوا عليه وفكُّوا حزنه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.