فلما كانت الليلة ٤٣٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا الحسن ابن الخواجا لما دخل عليه أصحابه الحمام وفكُّوا حزنه، نسي وصيَّة أبيه، وذهل لكثرة المال، وظنَّ أن الدهر يبقى معه على حال، وأن المال ليس له زوال؛ فأكل وشرب، ولذَّ وطرب، وخلع ووهب، وجاد بالذهب، ولازَمَ أكل الدجاج، وفضَّ ختام الزجاج، وقهقهة القناني، واستماع الأغاني، ولم يزل على هذا الحال إلى أن مال المال وقعد الحال، وذهب ما كان لديه، وسُقِط في يدَيْه، ولم يَبْقَ له بعد أن أتلف ما أتلف، غير وصيفة خلَّفها له والده من جملة ما خلَّف، وكانت الوصيفة هذه ليس لها نظير في الحُسْن والجمال، والبهاء والكمال، والقدِّ والاعتدال، وهي ذات فنون وآداب، وفضائل تُستطاب، قد فاقت أهل عصرها وأوانها، وصارت أشهر من عَلَم في افتنانها، وزادت على المِلَاح بالعلم والعمل، والتثنِّي والميل مع كونها خماسية القد مقارنة للسعد، بجبينين كأنهما هلال شعبان، وحاجبين أزجين، وعينين كعيون غزلان، وأنفٍ كحد الحسام، وخدٍّ كأنه شقائق النعمان، وفمٍ كخاتم سليمان، وأسنانٍ كأنها عقود الجمان، وسرَّة تَسَع أوقية دهن بان، وخصر أَنْحَل من جسمِ مَنْ أضناه الهوى وأسقمه الكتمان، وردف أثقل من الكثبان، وبالجملة فهي في الجمال جديرة بقول مَن قال:
كأنها البدر الطالع والغزال الراتع، بنت تسعٍ وخمس، تُخجِل القمر والشمس، كما قال الشاعر البليغ الماهر:
صافية الأديم، عاطرة النسيم، كأنها خُلِقت من النور وتكوَّنت من البلور، تورَّد منها الخد، واعتدل القوام والقد، كما قال فيها بعض واصفيها:
تسلب مَن يراها بحُسْن جمالها، وبريق ابتسامها، وترميه من عيونها بنبل سهامها، وهي مع هذا كله فصيحة الكلام حَسَنة النظام. فلمَّا نفَدَ جميعُ ماله، وتبيَّن سوءُ حاله، ولم يَبْقَ معه غير هذه الجارية، أقام ثلاثة أيام وهو لم يَذُقْ طَعْمَ طعام، ولم يسترح في منامٍ. فقالت له الجارية: يا سيدي، احملني إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.