فلما كانت الليلة ٣٢٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جوان الكردي أطلع يده من الصحن وهي في صورة خُفِّ الجمل، ودوَّر اللقمة في كفه حتى صارت مثل النارنجة الكبيرة، ثم رماها في فمه بسرعة فانحدرت في حلقه ولها فرقعه مثل الرعد، وبان قعر الصحن من موضعها، فقال له مَن بجانبه: الحمد لله الذي لم يجعلني طعامًا بين يدَيْك؛ لأنك خسفت الصحن بلقمة واحدة. فقال الحشاش: دعوه يأكل فإني تخيَّلت فيه صورة المشنوق. ثم التفت إليه وقال له: كُل لا هنَّاك الله. فمدَّ يده إلى اللقمة الثانية، وأراد أن يدوِّرها في يده مثل اللقمة الأولى، وإذا بالملكة صاحت على بعض الجند وقالت لهم: هاتوا ذلك الرجل بسرعة، ولا تدعوه يأكل اللقمة التي في يده. فتجارت عليه العساكر وهو مكبٌّ على الصحن، وقبضوا عليه وأخذوه قدَّام الملكة زمرد، فشمتت الناس فيه وقالوا لبعضهم: إنه يستأهل؛ لأننا نصحناه فلم ينتصح، وهذا المكان موعود بقتل من جلس فيه، وذلك الأرز مشئوم على كل مَن يأكل منه.
ثم إن الملكة زمرد قالت له: ما اسمك؟ وما صنعتك؟ وما سبب مجيئك مدينتنا؟ قال: يا مولانا السلطان اسمي عثمان، وصنعتي خولي بستان، وسبب مجيئي إلى هذه المدينة أنني دائر أفتش على شيء ضاع مني. فقالت الملكة: عليَّ بتخت الرمل. فأحضروه بين يديها، فأخذت القلم وضربت تخت رمل، ثم تأملت فيه ساعة، وبعد ذلك رفعت رأسها وقالت له: ويلك يا خبيث! كيف تكذب على الملوك؟ هذا الرمل يخبرني أن اسمك جوان الكردي، وصنعتك أنك لص تأخذ أموال الناس بالباطل، وتقتل النفس التي حرَّمَ الله قتلها إلا بالحق. ثم صاحت عليه وقالت له: يا خنزير، اصدقني بخبرك وإلا قطعت رأسك. فلما سمع كلامها اصفرَّ لونه، واصطكت أسنانه، وظنَّ أنه إن نطق بالحق ينجو، فقال: صدقت أيها الملك، ولكنني أتوب على يديك من الآن، وأرجع إلى الله تعالى. فقالت له الملكة: لا يحل لي أن أترك آفة في طريق المسلمين. ثم قالت لبعض أتباعها: خذوه واسلخوا جلده، وافعلوا به مثل ما فعلتم بنظيره في الشهر الماضي. ففعلوا ما أمرتهم به، ولما رأى الحشاش العسكر حين قبضوا على ذلك الرجل، أدار ظهره إلى الصحن الأرز وقال: إن استقبالك بوجهي حرام. ولما فرغوا من الأكل تفرَّقوا وذهبوا إلى أماكنهم، وطلعت الملكة قصرها وأذنت للمماليك بالانصراف.
ولما هلَّ الشهر الرابع نزلوا إلى الميدان على جري العادة، وأحضروا الطعام، وجلس الناس ينتظرون الإذن، وإذا بالملكة قد أقبلت وجلست على الكرسي وهي تنظر إليهم، فوجدت موضع الصحن الأرز خاليًا وهو يسع أربع أنفس، فتعجَّبت من ذلك. فبينما هي تجول بنظرها إذ حانت منها التفاتة فنظرت إنسانًا داخلًا من باب الميدان يهرول، وما زال يهرول حتى وقف على السماط، فلم يجد مكانًا خاليًا إلا عند الصحن فجلس فيه، فتأمَّلته فوجدته الملعون النصراني الذي سمَّى نفسه رشيد الدين، فقالت في نفسها: ما أبركَ هذا الطعام الذي وقع في حبائله هذا الكافر! وكان لمجيئه سبب عجيب، وهو أنه لما رجع من سفره … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.