فلما كانت الليلة ٤٤٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما سألها الفقيه الثاني عن المسائل وأجابته، وقال لها: أحسنتِ. قالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد سألني حتى عَيِيَ، وأنا أسأله مسألتين، فإن أتى بجوابهما فذاك، وإلا أخذت ثيابه وانصرف بسلام. فقال لها الفقيه: سليني عمَّا شئتِ. قالت: فما تقول في الإيمان؟ قال: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، قال عليه الصلاة والسلام: «لا يَكمُل المرء من الإيمان حتى يَكمُل فيه خمس خصال: التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، وأن تكون أموره لله؛ فإنه مَن أحَبَّ الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان.» قالت: فأخبرني عن فرض الفرض، وعن فرضٍ في ابتداء كل فرض، وعن فرضٍ يحتاج إليه كل فرض، وعن فرضٍ يستغرق كل فرض، وعن سُنَّة داخلة في الفرض، وعن سُنَّة يتم بها الفرض. فسكت ولم يُجِب بشيء، فأمرها أمير المؤمنين بأن تفسِّرها، وأمره بأن ينزع ثيابه ويعطيها إياها، فعند ذلك قالت: يا فقيه، أما فرض الفرض فمعرفة الله تعالى، وأما الفرض في ابتداء كل فرض فهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأما الفرض الذي يحتاج إليه كل فرض فهو الوضوء، وأما الفرض المستغرق كل فرض فهو الغُسْل من الجنابة، وأما السُّنَّة الداخلة في الفرض فهي تخليل الأصابع، وتخليل اللحية الكثيفة، وأما السُّنَّة التي يتم بها الفرض فهي الاختتان. فعند ذلك تبيَّن عجز الفقيه، وقام على قدميه وقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين أن هذه الجارية أعلم مني بالفقه وغيره. ثم نزع ثيابه وانصرف مقهورًا.
وأما حكايتها مع المقرئ، فإنها التفتت إلى مَن بقي من العلماء الحاضرين وقالت: أيكم الأستاذ المقرئ العالِم بالقراءات السبع، والنحو، واللغة؟ فقام إليها المقرئ وجلس بين يديها، وقال لها: هل قرأتِ كتابَ الله تعالى، وأحكمتِ معرفة آياته، وناسخه ومنسوخه، ومُحكَمَه ومتشابهه، ومكيِّه ومدنيِّه، وفهمت تفسيره، وعرفته على الروايات والأصول في القراءات؟ قالت: نعم. قال: أخبريني عن عدد سور القرآن، وكم فيه من عُشْر؟ وكم فيه من آية؟ وكم فيه من حرف؟ وكم فيه من سجدة؟ وكم فيه من نبي مذكور؟ وكم فيه من سورة مدنية؟ وكم فيه من سورة مكية؟ وكم فيه من طير؟ قالت: يا سيدي، أما سور القرآن فمائة وأربع عشرة سورة، المكيُّ منها سبعون سورة، والمدني أربع وأربعون سورة، وأما أعشاره فستمائة عُشْر وواحد وعشرون عُشْرًا، وأما الآيات فستة آلاف ومائتان وستٌّ وثلاثون آية، وأما كلماته فتسعة وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة، وأما حروفه فثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون ألفًا وستمائة وسبعون حرفًا، وللقارئ بكل حرف عشر حسنات، وأما السجدات فأربع عشرة سجدة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.