فلما كانت الليلة ٤٤٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما سألها المقرئ عن القرآن أجابته وقالت له: وأما الأنبياء الذين ذُكِرت أسماؤهم في القرآن فخمسة وعشرون نبيًّا، وهم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، واليسع، ويونس، ولوط، وصالح، وهود، وشعيب، وداود، وسليمان، وذو الكفل، وإدريس، وإلياس، ويحيى، وزكريا، وأيوب، وموسى، وهارون، وعيسى، ومحمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأما الطير فهن تسع. قال: ما اسمهن؟ قالت: البعوض، والنحل، والذباب، والنمل، والهدهد، والغراب، والجراد، والأبابيل، وطير عيسى — عليه السلام — وهو الخفاش. قال: أحسنتِ، فأخبريني أي سورة في القرآن أفضل؟ قالت: سورة البقرة. قال: فأي آية أعظم؟ قالت: آية الكرسي، وهي خمسون كلمة، مع كل كلمة خمسون بركة. قال: فأي آية فيها تسع آيات؟ قالت: قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ (البقرة: ١٦٩) إلى آخِر الآية. قال: أحسنتِ، فأخبريني أي آية أعدل؟ قالت: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ (النحل: ٩٠) قال: فأي آية أطمع؟ قالت: قوله تعالى: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (المعارج: ٣٨) قال: فأي آية أرجى؟ قالت: قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر: ٥٣).
قال: أحسنتِ، فأخبريني بأي قراءة تقرئين؟ قالت: بقراءة أهل الجنة، وهي قراءة نافع. قال: فأي آية كذب فيها الأنبياء؟ قالت: قوله تعالى: وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (يوسف: ١٨) وهم إخوة يوسف. قال: فأخبريني أي آية صدق فيها الكفار؟ قالت: قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ (البقرة: ١١٣) وهم صدقوا جميعًا. قال: فأي آية قالها الله لنفسه. قالت: قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: ٥٦). قال: فأي آية فيها قول الملائكة؟ قالت: قوله تعالى: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (البقرة: ٣٠). قال: فأخبريني عن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وما جاء فيها. قالت: التعوُّذ واجبٌ أمَرَ الله به عند القراءة، والدليل عليه قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (النحل: ٩٨). قال: فأخبريني ما لفظ الاستعاذة؟ وما الخلاف فيها؟ قالت: منهم مَن يستعيذ بقوله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ومنهم مَن يقول: أعوذ بالله القوي، والأحسنُ ما نطق به القرآن العظيم، ووردت به السُّنَّة، وكان ﷺ إذا استفتح القرآن قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ورُوِي عن نافع عن أبيه قال: كان رسول الله ﷺ إذا قام يصلي في الليل قال: «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.» ثم يقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن همزات الشياطين ونزعاتهم.» ورُوِي عن ابن عباس — رضي الله عنهما — أنه قال: «أول ما نزل جبريل على النبي ﷺ علَّمه الاستعاذة، وقال له: قُلْ يا محمد: أعوذ بالله السميع العليم. ثم قُلْ: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (العلق: ١-٢).»
فلما سمع المقرئ كلامها تعجَّبَ من لفظها وفصاحتها، وعلمها وفضلها، ثم قال لها: يا جارية، ما تقولين في قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (النمل: ١)، هل هي آية من آيات القرآن؟ قالت: نعم، آية من القرآن في النمل، وآية بين كل سورتين، والاختلاف في ذلك بين العلماء كثير. قال: أحسنتِ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.