فلما كانت الليلة ٤٤٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما أجابت المقرئ وقالت: إن بسم الله الرحمن الرحيم فيها اختلاف كثير بين العلماء، قال: أحسنتِ، فأخبريني لِمَ لا تُكتَب بسم الله الرحمن الرحيم في أول سورة براءة؟ قالت: لما نُزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بينه ﷺ وبين المشركين، وجَّهَ النبي ﷺ عليَّ بن أبي طالب — كرَّمَ الله وجهه — في يوم موسم بسورة براءة، فقرأها عليهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. قال: فأخبريني عن فضل بسم الله الرحمن الرحيم، وبركتها. قالت: رُوِي عن النبي ﷺ أنه قال: «ما قرأتُ بسم الله الرحمن الرحيم على شيء إلا كان فيه البركة.» وعنه ﷺ: «حلف ربُّ العزة بعزته لا تُسمَّى بسم الله الرحمن الرحيم على مريض إلا عُوفِي من مرضه.» وقيل: لما خلق الله العرش اضطرب اضطرابًا عظيمًا، فكتب عليه: بسم الله الرحمن الرحيم، فسكن اضطرابه. ولما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم على رسول الله ﷺ قال: «أمنت من ثلاثة: من الخسف، والمسخ، والغرق.» وفضلها عظيم، وبركتها كثيرة يطول شرحها، وقد رُوِي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «يُؤتَى برجل يوم القيامة فيُحاسَب فلا يلقى له حسنة، فيُؤمَر به إلى النار فيقول: إلهي ما أنصفتَني. فيقول الله عز وجل: ولِمَ ذلك؟ فيقول: يا رب، لأنك سمَّيتَ نفسك الرحمن الرحيم، وتريد أن تعذِّبني بالنار. فقال الله جل جلاله: أنا سمَّيتُ نفسي الرحمن الرحيم، امضوا بعبدي إلى الجنة برحمتي، وأنا أرحم الراحمين.» قال: أحسنتِ، فأخبريني عن أول بدء بسم الله الرحمن الرحيم. قالت: لما أنزل الله تعالى القرآن كتبوا: باسمك اللهم. فلما أنزل الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (الإسراء: ١١٠) كتبوا: باسم الله الرحمن. فلما نزل: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (البقرة: ١٦٣) كتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم.
فلما سمع المقرئ كلامها أطرق وقال في نفسه: إن هذا العجب عجيب، وكيف تكلَّمَتْ هذه الجارية في أول بَدْء بسم الله الرحمن الرحيم، والله لا بد من أن أتحيَّل عليها لعلي أغلبها. ثم قال لها: يا جارية، هل أنزل الله القرآن جملة واحدة أم أنزله متفرِّقًا؟ قالت: نزل به جبريل الأمين — عليه السلام — من عند رب العالمين على نبيه محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين، بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، والأخبار والأمثال، في عشرين سنة آياتٍ متفرقات على حسب الوقائع. قال: أحسنتِ، فأخبريني عن أول سورة نزلت على رسول الله ﷺ. قالت: في قول ابن عباس سورة العلق، وفي قول جابر بن عبد الله سورة المدثر، ثم أُنزِلت السور والآيات بعد ذلك. قال: فأخبريني عن آخِر آية نزلت. قالت: آخِر آية نزلت عليه آيةُ الربا، وقيل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر: ١). وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.