فلما كانت الليلة ٤٤٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما أجابت المقرئ عن آخِر آية نزلت في القرآن، قال لها: أحسنتِ، فأخبريني عن عدة الصحابة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله ﷺ. قالت: هم أربعة؛ أُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وعثمان بن عفان، رضي الله عنهم أجمعين. قال: أحسنتِ، فأخبريني عن القرَّاء الذين تُؤخَذ عنهم القراءات. قالت: هم أربعة؛ عبد الله بن مسعود، وأُبَي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم بن عبد الله. قال: فما تقولين في قوله تعالى: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (المائدة: ٣)؟ قالت: هي الأصنام التي تُنصب وتُعبَد من دون الله تعالى، والعياذ بالله تعالى. قال: فما تقولين في قوله تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ (المائدة: ١١٦)؟ قالت: تعلم حقيقتي وما عندي، ولا أعلم ما عندك، والدليل على هذا قوله: إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة: ١١٦)، وقيل: تعلم عيني ولا أعلم عينك. قال: فما تقولين في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ (المائدة: ٨٧)؟ قالت: حدَّثني الشيخ — رحمه الله تعالى — عن الضحاك أنه قال: هم قوم من المسلمين قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونلبس المسوح، فنزلت هذه الآية. وقال قتادة: إنها نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن مصعب، وغيرهما، قالوا: نخصي أنفسنا، ونلبس الشعر، ونترهَّب. فنزلت هذه الآية. قال: فما تقولين في قوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا؟ قالت: الخليل المحتاج الفقير، وفي قول آخَر هو المحب المنقطع إلى الله تعالى الذي ليس لانقطاعه اختلال.
فلما رآها المقرئ تمرُّ في كلامها مرَّ السحاب، ولم تتوقف في الجواب، قام على قدميه وقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين أن هذه الجارية أعلم مني بالقراءات وغيرها. فعند ذلك قالت الجارية: أنا أسألك مسألة واحدة، فإن أتيتَ بجوابها فذاك، وإلا نزعتَ ثيابك. قال أمير المؤمنين: سَلِيه. فقالت: ما تقول في آية فيها ثلاثة وعشرون كافًا، وآية فيها ستة عشر ميمًا، وآية فيها مائة وأربعون عينًا، وحزب ليس فيه جلالة؟ فعجز المقرئ عن الجواب، فقالت: انزع ثيابك. فنزع ثيابه، ثم قالت: يا أمير المؤمنين، إن الآية التي فيها ستة عشر ميمًا في سورة هود، وهي قوله تعالى: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ (هود: ٤٨) الآية، وإن الآية التي فيها ثلاثة وعشرون كافًا في سورة البقرة، وهي آية الدين، وإن الآية التي فيها مائة وأربعون عينًا في سورة الأعراف، وهي قوله تعالى: وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا (الأعراف: ١٥٥) لكل رجل عينان، وإن الحزب الذي ليس فيه جلالة هو سورة اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (القمر: ١)، والرحمن، والواقعة. فعند ذلك نزع المقرئ ثيابه التي عليه، وانصرف خجلًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.