فلما كانت الليلة ٤٥٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما قالت للحكيم: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء …» الحديث. قال لها: فما تقولين في الحمَّام؟ قالت: لا يدخله شبعان، وقد قال النبي ﷺ: «نِعْمَ البيت الحمام، ينظِّف الجسد، ويذكر النار.» قال: فأي الحمامات أحسن ماءً؟ قالت: ما عَذُب ماؤه، واتَّسَع فضاؤه، وطاب هواؤه، بحيث تكون أهويته أربعة: خريفي، وصيفي، وشتوي، وربيعي. قال: فأخبريني أي الطعام أفضل؟ قالت: ما صنعَتِ النساء، وقلَّ فيه الفناء، وأكلته بالهناء، وأفضل الطعام الثريد لقوله عليه الصلاة والسلام: «فضل الثريد على الطعام كفضل عائشة على سائر النساء.» قال: فأي الأُدم أفضل؟ قالت: اللحم، لقوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل الأُدم اللحم؛ لأنه لذة الدنيا والآخرة.» قال: فأي اللحم أفضل؟ قالت: الضأن، ويُجتنب القديد؛ لأنه لا فائدة فيه. قال: فأخبريني عن الفاكهة. قالت: كُلْها في إقبالها، واتركها إذا انقضى زمانها. قال: فما تقولين في شرب الماء؟ قالت: لا تشربه شربًا، ولا تعبه عبًّا فإنه يؤذيك صداعه، ويشوش عليك من الأذى أنواعه، ولا تشربه عقب خروجك من الحمام، ولا عقب الجماع، ولا عقب الطعام، إلا بعد مُضِي خمس عشرة درجة للشاب، وللشيخ بعد أربعين درجة، ولا عقب يقظتك من المنام. قال: أحسنتِ، فأخبريني عن شرب الخمر؟ قالت: أَفَلَا يكفيك زاجرًا ما جاء في كتاب الله تعالى حيث قال: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة: ٩٠)، وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (البقرة: ٢١٩)، وقد قال الشاعر:
وقال آخر في المعنى:
وأما المنافع التي فيها، فإنها تفتِّت حصى الكلى، وتقوِّي الأمعاء، وتنفي الهم، وتحرك الكرم، وتحفظ الصحة، وتعين على الهضم، وتصح البدن، وتُخرِج الأمراض من المفاصل، وتنقِّي الجسم من الأخلاط الفاسدة، وتولِّد الطرب والفرح، وتقوِّي الغريزية، وتشد المثانة، وتقوِّي الكبد، وتفتح السدد، وتحمِّر الوجه، وتنقِّي الفضلات من الرأس والدماغ، وتبطئ بالمشيب، ولولا الله — عز وجل — حرَّمها، لم يكن على وجه الأرض ما يقوم مقامها؛ وأما الميسر فهو القمار. قال: فأي شيء من الخمر أحسن؟ قالت: ما كان بعد ثمانين يومًا أو أكثر، وقد اعتُصِر من عنب أبيض، ولم يَشُبْه ماءٌ، ولا شيءَ على وجه الأرض مثلها. قال: فما تقولين في الحجامة؟ قالت: ذلك لِمَن كان ممتلئًا من الدم، وليس به نقصان في دمه، فمَن أراد الحجامة فَلْيحتجم في نقصان الهلال في يوم هو بلا غيم ولا ريح ولا مطر، ويكون في السابع عشر من الشهر، وإنْ وافَقَ يوم الثلاثاء كان أبلغ في النفع، ولا شيء أنفع من الحجامة للدماغ والعينين وتصفية الذهن. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.