فلما كانت الليلة ٤٥٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما وصفت منافع الحجامة قال لها الحكيم: أخبريني عن أحسن الحجامة. قالت: أحسنها على الريق؛ فإنها تزيد في العقل وفي الحفظ، لما رُوِي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان ما اشتكى إليه أحدٌ وجعًا في رأسه أو رجليه إلا قال له: احتجم. وإذا احتجم لا يأكل على الريق مالحًا؛ فانه يورث الجرب، ولا يأكل على إثره حامضًا. قال: فأي وقت تُكرَه فيه الحجامة؟ قالت: يوم السبت والأربعاء، ومَن احتجم فيهما فلا يلومنَّ إلا نفسه، ولا يُحتَجَم في شدة الحر، ولا في شدة البرد، وخيار أيامه أيام الربيع.
قال: أخبريني عن المجامعة. فلمَّا سمعت ذلك أطرقت وطأطأت رأسها، واستحيت إجلالًا لأمير المؤمنين، ثم قالت: والله يا أمير المؤمنين ما عجزتُ بل خجلتُ، وإن جوابه على طرف لساني. قال لها: يا جارية تكلَّمِي. قالت له: إن النكاح فيه فضائل مزيدة، وأمور حميدة، منها: أنه يخفِّف البدن الممتلئ بالسوداء، ويسكِّن حرارة العشق، ويجلب المحبة، ويبسط القلب، ويقطع الوحشة، والإكثار منه في أيام الصيف والخريف أشد ضررًا منه في أيام الشتاء والربيع. قال: فأخبريني عن منافعه. قالت: إنه يزيل الهم والوسواس، ويسكِّن العشق والغضب، وينفع القروح، هذا إذا كان الغالب على الطبع والبرودة واليبوسية، وإلا فالإكثار منه يضعف النظر، ويتولَّد منه وجع الساقين والرأس والظهر، وإياك إياك من مجامعة العجوز فإنها من القواتل، قال الإمام علي — كرَّم الله وجهه: «أربعٌ يقتلن ويُهرِمنَ البدن: دخول الحمام على الشبع، وأكل المالح، والمجامعة على الامتلاء، ومجامعة المريضة؛ فإنها تُضعف قوَّتك، وتُسقِم بدنك، والعجوز سم قاتل.» قال بعضهم: إياك أن تتزوج عجوزًا، ولو كانت أكثر من قارون كنوزًا. قال: فما أطيب الجماع؟ قالت: إذا كانت المرأة صغيرة السن، مليحة القدِّ، حسنة الخد، كريمة الجد، بارزة النهد؛ فهي تزيدك قوَّة في صحة بدنك، وتكون كما قال فيها بعض واصفيها:
قال: فأخبريني عن أي وقت يطيب فيه الجماع؟ قالت: إذا كان ليلًا فبعد هضم الطعام، وإذا كان نهارًا فبعد الغداء. قال: فأخبريني عن أفضل الفواكه. قالت: الرمان والأُترُجُّ. قال: فأخبريني عن أفضل البقول. قالت: الهندبا. قال: فما أفضل الرياحين؟ قالت: الورد والبنفسج. قال: فأخبريني عن قرارِ مَنِيِّ الرجل. قالت: إن في الرجل عرقًا يسقي سائر العروق، فيجتمع الماء من ثلاثمائة وستين عرقًا، ثم يدخل في البيضة اليسرى دمًا أحمر، فينطبخ من حرارة مزاج بني آدم ماءً غليظًا أبيضَ، رائحته مثل رائحة الطلع. قال: أحسنتِ، فأخبريني عن طير يُمنِي ويحيض. قالت: هو الخفاش؛ أي الوطواط. قال: فأخبريني عن شيء إذا حُبِس عاش، وإذا شمَّ الهواء مات. قالت: هو السمك. قال: فأخبريني عن شجاع يبيض. قالت: الثعبان. فعجز الطبيب من كثرة سؤاله وسكت. فقالت الجارية: يا أمير المؤمنين، إنه سألني حتى عَيِيَ، وأنا أسأله مسألة واحدة، فإن لم يُجِب أخذت ثيابه حلالًا لي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.