فلما كانت الليلة ٤٥٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما قالت لأمير المؤمنين: إنه سألني حتى عَيِي، وأنا أسأله مسألة واحدة، فإن لم يُجِب أخذت ثيابه حلالًا لي. قال لها الخليفة: سليه. فقالت له: ما تقول في شيء يشبه الأرض استدارةً، ويواري عن العيون فقاره وقراره، قليل القيمة والقدر، ضيق الصدر والنحر، مقيَّد وهو غير آبق، موثق وهو غير سارق، مطعون لا في القتال، مجروح لا في النضال، يأكل الدهر مرَّة، ويشرب الماء كثرة، وتارة يضرب من غير جناية، ويستخدم لا من كفاية، مجموع بعد تفرُّقه، متواضع لا من تملُّقه، حامل لا لولد في بطنه، مائل لا يسند إلى ركنه، يتسخ فيتطهر، ويصلي فيتغيَّر، يجامِع بلا ذكر، ويصارع بلا حذر، يريح ويستريح، ويُعَضُّ فلا يصيح، أكرم من النديم، وأبعد من الحميم، يفارق زوجته ليلًا ويعانقها نهارًا، مسكنه الأطراف في مساكن الأشراف. فسكت الطبيب ولم يُجِب بشيء، وتحيَّر في أمره، وتغيَّر لونه، وأطرق برأسه ساعة ولم يتكلم. فقالت: أيها الطبيب تكلم، وإلا فانزع ثيابك. فقام وقال: يا أمير المؤمنين، أشهد على أن هذه الجارية أعلم مني بالطب وغيره، ولا لي عليها طاقة. ونزع ما عليه من الثياب وخرج هاربًا؛ فعند ذلك قال لها أمير المؤمنين: فسِّري لنا ما قلتِه. فقالت: يا أمير المؤمنين، هذا الزر والعروة.
وأما ما كان من أمرها مع المنجم فإنها قالت: مَن كان منكم منجِّمًا فَلْيقم. فنهض إليها المنجم وجلس بين يديها، فلما رأته ضحكت وقالت: أنت المنجم الحاسب الكاتب؟ قال: نعم. قالت: اسأل عمَّا شئتَ، وبالله التوفيق. قال: أخبريني عن الشمس، وطلوعها، وأفولها. قالت: اعلم أن الشمس تطلع من عيون وتأفُل في عيون؛ فعيون الطلوع أجزاء المشارق، وعيون الأفول أجزاء المغارب، وكلتاهما مائة وثمانون جزءًا، قال الله تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ (يونس: ٥)؛ فالقمر سلطان الليل، والشمس سلطان النهار، وهما مستبقان متداركان، قال الله تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس: ٤٠). قال: فأخبريني إذا جاء الليل كيف يكون النهار، وإذا جاء النهار كيف يكون الليل؟ قالت: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ.
قال: فأخبريني عن منازل القمر. قالت: منازل القمر ثمانٍ وعشرون منزلة، وهنَّ: الشرطان، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزباني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدم، والفرغ المؤخر، والرشاء؛ وهي مرتَّبة على حروف أبجد هوز إلى آخِرها، وفيها سر غامض لا يعلمه إلا الله — سبحانه وتعالى — والراسخون في العلم، وأما قسمتها على البروج الاثني عشر فهي أن تعطي كل برج منزلتين وثلث منزلة، فتجعل الشرطين والبطين وثلث الثريا للحمل، وثلثي الثريا مع الدبران وثلثي الهقعة للثور، وثلث الهقعة مع الهنعة والذراع للجوزاء، والنثرة والطرف وثلث الجبهة للسرطان، وثلثيها مع الزبرة وثلثي الصرفة للأسد، وثلثها مع العواء والسماك للسنبلة، والغفر والزباني وثلث الإكليل للميزان، وثلثي الإكليل مع القلب وثلثي الشولة للعقرب، وثلثها مع النعائم والبلدة للقوس، وسعد الذبائح وسعد بلع وثلث سعد السعود للجدي، وثلثي سعد السعود مع سعد الأخبية وثلثي المقدم للدلو، وثلث المقدم مع المؤخر والرشاء للحوت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.