فلما كانت الليلة ٤٥٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما عدَّت المنازل وقسَّمتها على البروج قال لها المنجم: أحسنتِ، فأخبريني عن الكواكب السيَّارة، وعن طبائعها، وعن مكثها في البروج، والسعد منها والنحس، وأين بيوتها وشُرَفها وسقوطها؟ قالت: المجلس ضيق، ولكن سأخبرك. أما الكواكب فسبعة، وهي: الشمس، والقمر، وعطارد، والزهرة، والمريخ، والمشتري، وزحل. فالشمس حارة يابسة نحيسة بالمقارنة سعيدة بالمنظر، تمكث في كل برج ثلاثين يومًا، والقمر بارد رطب سعيد يمكث في كل برج يومين وثلث يوم، وعطارد ممتزج سعد مع السعود، نحس مع النحوس، يمكث في كل برج سبعة عشر يومًا ونصف يوم، والزهرة معتدلة سعيدة تمكث في كل برج من البروج خمسة وعشرين يومًا، والمريخ نحس يمكث في كل برج عشرة أشهر، والمشتري سعد يمكث في كل برج سنة، وزحل بارد يابس نحس يمكث في كل برج ثلاثين شهرًا، والشمس بيتها الأسد وشرفها الحمل وهبوطها الدلو، والقمر بيته السرطان وشرفه الثور وهبوطه العقرب ووباله الجدي، وزحل بيته الجدي والدلو وشرفه الميزان وهبوطه الحمل ووباله السرطان والأسد، والمشتري بيته الحوت والقوس وشرفه السرطان وهبوطه الجدي ووباله الجوزاء والأسد، والزهرة بيتها الثور وشرفها الحوت وهبوطها الميزان ووبالها الحمل والعقرب، وعطارد بيته الجوزاء والسنبلة وشرفه السنبلة وهبوطه الحوت ووباله الثور، والمريخ بيته الحمل والعقرب وشرفه الجدي وهبوطه السرطان ووباله الميزان.
فلمَّا نظر المنجم إلى حذقها وعلمها وحُسْن كلامها وفهمها، ابتغى له حيلة يخجلها بها بين يدي أمير المؤمنين، فقال لها: يا جارية، هل ينزل في هذا الشهر مطر؟ فأطرقَتْ ساعة ثم تفكَّرَتْ طويلًا حتى ظنَّ أمير المؤمنين أنها عجزت عن جوابه، فقال لها المنجم: لِمَ لمْ تتكلمي؟ فقالت: لا أتكلم إلا إنْ أذِنَ لي في الكلام أميرُ المؤمنين. فقال لها أمير المؤمنين: وكيف ذلك؟ قالت: أريد أن تعطيني سيفًا أضرب به عنقه لأنه زنديق. فضحك أمير المؤمنين وضحك مَن حوله ثم قالت: يا منجِّم، خمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، وقرأَتْ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان: ٣٤). قال لها: أحسنتِ، وإني والله ما أردتُ إلا اختبارك. فقالت له: اعلم أن أصحاب التقويم لهم إشارات وعلامات ترجع إلى الكواكب بالنظر إلى دخول السنة وللناس فيها تجارب. قال: وما هي؟ قالت: إن لكل يوم من الأيام كوكبًا يملكه، فإذا كان أول يوم من السنة يوم الأحد فهو للشمس، ويدل ذلك — والله أعلم — على الجور من الملوك والسلاطين والولاة وكثرة الوخم وقلة المطر، وأن تكون الناس في هرج عظيم، وتكون الحبوب طيبة إلا العدس فإنه يعطب، ويفسد العنب، ويغلو الكتان، ويرخص القمح من أول طوبة إلى آخِر برمهات، ويكثر القتال بين الملوك، ويكثر الخير في تلك السنة والله أعلم. قال: فأخبريني عن يوم الإثنين. قالت: هو للقمر، ويدل ذلك على صلاح ولاة الأمور والعُمَّال، وأن تكون السنة كثيرة الأمطار وتكون الحبوب طيبة، ويفسد بذر الكتان، ويرخص القمح في شهر كيهك، ويكثر الطاعون ويموت نصف الدواب من الضأن والمعز، ويكثر العنب، ويقل العسل، ويرخص القطن، والله أعلم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.