فلما كانت الليلة ٤٥٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه قال: أخبريني عن أربعة أشياء متضادة مترتبة على أربعة أشياء متضادة. قالت: هي الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، خلق الله من الحرارة النار، وطبعها حار يابس، وخلق من اليبوسة التراب، وطبعه بارد يابس، وخلق من البرودة الماء، وطبعه بارد رطب، وخلق من الرطوبة الهواء، وطبعه حار رطب، ثم خلق الله اثني عشر برجًا، وهي: الحمل، الثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، وجعلها على أربع طبائع: ثلاثة نارية، وثلاثة ترابية، وثلاثة هوائية، وثلاثة مائية؛ فالحمل والأسد والقوس نارية، والثور والسنبلة والجدي ترابية، والجوزاء والميزان والدلو هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مائية. فقام المنجم وقال: اشهدوا على أنها أعلم مني. وانصرف مغلوبًا.
ثم قال أمير المؤمنين: أين الفيلسوف؟ فنهض إليها رجل وتقدَّم، وقال: أخبريني عن الدهر وحده وأيامه، وما جاء فيه. قالت: إن الدهر هو اسم واقع على ساعات الليل والنهار، وإنما هي مقادير جري الشمس والقمر في أفلاكهما، كما أخبر الله تعالى حيث قال: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (يس: ٣٧-٣٨). قال: فأخبريني عن ابن آدم كيف يصل إليه الكفر؟ قالت: رُوِي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «الكفر في بني آدم يجري كما يجري الدم في عروقه، حيث يسب الدنيا والدهر، والليلة والساعة.» وقال عليه الصلاة والسلام: لا يسب أحدكم الدهر، فإن الدهر هو الله، ولا يسب أحدكم الدنيا فتقول: لا أعان الله مَن يسبني. ولا يسب أحدكم الساعة، فإن الساعة آتية لا ريب فيها، ولا يسب أحدكم الأرض فإنها آية؛ لقوله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ (طه: ٥٥). قال: فأخبريني عن خمسة أكلوا وشربوا، وما خرجوا من ظهر ولا بطن. قالت: هم آدم، وشمعون، وناقة صالح، وكبش إسماعيل، والطير الذي رآه أبو بكر الصديق في الغار. قال: فأخبريني عن خمسة في الجنة لا من الإنس، ولا من الجن، ولا من الملائكة. قالت: ذئب يعقوب، وكلب أصحاب الكهف، وحمار العزيز، وناقة صالح، ودلدل النبي ﷺ.
قال: أخبريني عن رجل صلى صلاة لا في الأرض ولا في السماء. قالت: هو سليمان حين صلَّى على بساطه وهو على الريح. قال: أخبريني عمَّن صلَّى صلاة الصبح، فنظر إلى أَمَة فحرمت عليه، فلما كان الظهر حلت له، فلما كان العصر حرمت عليه، فلما كان المغرب حلت له، فلما كان العشاء حرمت عليه، فلما كان الصبح حلت له. قالت: هذا رجل نظر إلى أَمَة غيره عند الصبح وهي حرام عليه، فلما كان الظهر اشتراها فحلت له، فلما كان العصر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان المغرب تزوجها فحلت له، فلما كان العشاء طلقها فحرمت عليه، فلما كان الصبح راجعها فحلت له. قال: أخبريني عن قبر مشى بصاحبه. قالت: هو حوت يونس بن متى حين ابتلعه. قال: أخبريني عن بقعة واحدة طلعت عليها الشمس مرة واحدة، ولا تطلع عليها بعد إلى يوم القيامة؟ قالت: البحر حين ضربه موسى بعصاه فانفلق اثني عشر فرقًا على عدد الأسباط، وطلعت عليه الشمس، ولم تعد له إلى يوم القيامة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.