فلما كانت الليلة ٣٢٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة استغفرت الله — عز وجل — وقالت: لعل الله يجمع شملي بحبيبي علي شار قريبًا، إنه على ما يشاء قدير، وبعباده لطيف خبير. ثم حمدت الله ووالت الاستغفار، وسلَّمت لمواقع الأقدار، وأيقنت أنه لا بد لكل أول من آخِر، وأنشدت قول الشاعر:
وقول الآخَر:
وقول الآخَر:
وقول الآخَر:
فلما فرغت من شعرها مكثت بعد ذلك شهرًا كاملًا، وهي بالنهار تحكم بين الناس، وتأمر وتنهى، وبالليل تبكي وتنتحب على فراق سيدها علي شار. ولما هلَّ الشهر الجديد أمرت بمد السماط في الميدان على جري العادة، وجلست فوق الناس وصاروا ينتظرون الإذن في الأكل، وكان موضع الصحن الأرز خاليًا، وجلست هي على رأس السماط، وجعلت عينها قبال باب الميدان لتنظر كلَّ مَن يدخل منه، وصارت تقول في سرِّها: يا مَن ردَّ يوسف على يعقوب، وكشف البلاء عن أيوب، امنُنْ عليَّ بردِّ سيدي علي شار بقدرتك وعظمتك، إنك على كل شيء قدير يا رب العالمين، يا هادي الضالين، يا سامع الأصوات، يا مجيب الدعوات، استجِبْ مني يا رب العالمين. فلم يتم دعاؤها إلا وشخص داخل من باب الميدان كأن قوامه غصن بان، إلا أنه نحيل البدن يلوح عليه الاصفرار، وهو أحسن ما يكون من الشباب، كامل العقل والآداب. فلما دخل لم يجد موضعًا خاليًا إلا الموضع الذي عند الصحن الأرز فجلس فيه، ولما رأته زمرد خفق قلبها فحقَّقت النظر فيه، فتبيَّنَ لها أنه سيدها علي شار، فأرادت أن تصرخ من الفرح فثبَّتت نفسها، وخشيت من الفضيحة بين الناس، ولكن تقلقلت أحشاؤها، واضطرب قلبها، فكتمت ما بها، وكان السبب في مجيء علي شار أنه لما رقد على المصطبة ونزلت زمرد وأخذها جوان الكردي، استيقظ بعد ذلك فوجد نفسه مكشوف الرأس، فعرف أن إنسانًا تعدَّى عليه وأخذ عمامته وهو نائم، فقال الكلمة التي لا يخجل قائلها، وهي: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم إنه رجع إلى العجوز التي كانت أخبرته بمكان زمرد، وطرق عليها الباب فخرجت إليه، فبكى بين يديها حتى وقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق أخبرها بجميع ما حصل له، فلامته وعنَّفته على ما وقع منه، وقالت له: إن مصيبتك وداهيتك من نفسك. وما زالت تلومه حتى طفح الدم من منخرَيْه، ووقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق من غشيته … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.