فلما كانت الليلة ٤٦٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما وصفت له الصراط، قال: أخبريني كم لنبينا محمد ﷺ من شفاعة؟ قالت: له ثلاث شفاعات. قال لها: هل كان أبو بكر أول مَن أسلم؟ قالت: نعم. قال: إن عليًّا أسلم قبل أبي بكر. قالت: إن عليًّا أتى النبي ﷺ وهو ابن سبع سنين، فأعطاه الله الهداية على صِغَر سنه، فما سجد لصنم قطُّ. قال: فأخبريني، أعليٌّ أفضل أمِ العباس؟ فعلمت أن هذه مكيدة لها، فإن قالت: علي أفضل من العباس، فما لها من عُذْر عند أمير المؤمنين! فأطرقت ساعةً وهي تارة تحمر وتارة تصفر، ثم قالت: تسألني عن اثنين فاضلين لكل واحد منهما فضل، فارجع بنا إلى ما كنَّا فيه. فلما سمعها الخليفة هارون الرشيد استوى قائمًا على قدميه وقال لها: أحسنتِ وربِّ الكعبة يا تودُّد. فعند ذلك قال لها إبراهيم النظام: أخبريني عن قول الشاعر حيث قال:
قالت: قصب السكر. قال: فأخبريني عن مسائل كثيرة؟ قالت: وما هي؟ قال: ما أحلى من العسل؟ وما أحد من السيف؟ وما أسرع من السم؟ وما لذة ساعة؟ وما سرور ثلاثة أيام؟ وما أطيب يوم؟ وما فرحة جمعة؟ وما الحق الذي لا ينكره صاحب الباطل؟ وما سجن القبر؟ وما فرحة القلب؟ وما كيد النفس؟ وما موت الحياة؟ وما الداء الذي لا يُداوَى؟ وما العار الذي لا ينجلي؟ وما الدابة التي لا تأوي إلى العمران، وتسكن الخراب، وتبغض بني آدم، وخلق فيها خلق من سبعة جبابرة؟ قالت له: اسمع جواب ما قلت، ثم انزع ثيابك حتى أفسِّر لك ذلك. قال لها أمير المؤمنين: فسِّري وهو ينزع ثيابه. قالت: أمَّا ما هو أحلى من العسل فهو حب الأولاد البارين بوالديهم، وأما ما هو أحَدُّ من السيف فهو اللسان، وأما ما هو أسرع من السم فهو عين المعيان، وأما لذة ساعة فهو الجِمَاع، وأما سرور ثلاثة أيام فهو النورة للنساء، وأما ما هو أطيب يوم فهو يوم الربح في التجارة، وأما فرحة جمعة فهو العروس، وأما الحق الذي لا ينكره صاحب الباطل فهو الميت، وأما سجن القبر فهو الولد السوء، وأما فرحة القلب فهي المرأة المطيعة لزوجها، وقيل اللحم حين ينزل على القلب، فإنه يفرح بذلك، وأما كيد النفس فهو العبد العاصي، وأما موت الحياة فهو الفقر، وأما الداء الذي لا يُداوَى فهو سوء الخُلُق، وأما العار الذي لا ينجلي فهو البنت السوء، وأما الدابة التي لا تأوي إلى العمران، وتسكن الخراب، وتبغض بني آدم، وخلق فيها خلق من سبعة جبابرة؛ فإنها الجرادة، رأسها كرأس الفرس، وعنقها كعنق الثور، وجناحها جناح النسر، ورجلها رجل الجمل، وذنبها ذنب الحية، وبطنها بطن العقرب، وقرنها قرن الغزال.
فتعجَّبَ الخليفة هارون الرشيد من حذقها وفهمها، ثم قال للنظام: انزع ثيابك. فقام وقال: أشهد على جميع مَن حضر هذا المجلس أنها أعلم مني، ومن كل عالم. ونزع ثيابه، وقال لها: خذيهم لا بارَكَ الله لكِ فيهم. فأمر له أمير المؤمنين بثياب يلبسها، ثم قال أمير المؤمنين: يا تودُّد، بقي عليك شيء ممَّا وعدتِ به وهو الشطرنج، وأمر بإحضار معلِّمي الشطرنج والكنجفة والنرد، فحضروا وجلس الشطرنجي معها، وصُفَّت بينهما الصفوف، ونقل ونقلت، فما نقل شيئًا إلا أفسدته عن قليل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.