فلما كانت الليلة ٤٦٢
قالت: أيها الملك السعيد، أن الخليفة أعطى الجارية خمسة آلاف دينار، وردها إلى مولاها، وجعله نديمًا له على طول الزمان، وأطلق له في كل شهر ألف دينار، وقعد مع جاريته تودد في أرغد عيش، فأعجب بها الملك من فصاحة هذه الجارية، ومن غزارة علمها وفهمها وفضلها في كامل العلوم. وانظر إلى مروءة أمير المؤمنين هارون الرشيد؛ حيث أعطى سيدها هذا المال، وقال لها: تمني عليَّ. فتمنت عليه أن يردها إلى سيدها، فردها إليه وأعطاها خمسة آلاف دينار لنفسها، وجعل سيدها نديمًا له، فأين يوجد هذا الكرم بعد الخلفاء العباسيين — رحمة الله تعالى عليهم أجمعين؟
حكاية الملك المغرور وملك الموت
ومما يُحكَى أيها الملك السعيد أن ملكًا من الملوك المتقدمين أراد أن يركب يومًا في جملة أهل مملكته، وأرباب دولته، ويُظهِر للخلائق عجائبَ زينته، فأمر أصحابه وأمراءه وكبراء دولته أن يأخذوا أهبة الخروج معه، وأمر خازن الثياب بأن يحضر له من أفخر الثياب ما يصلح للملك في زينته، وأمر بإحضار خيله الموصوفة العتاق المعروفة، ففعلوا ذلك، ثم إنه اختار من الثياب ما أعجبه، ومن الخيل ما استحسنه، ثم لبس الثياب، وركب الجواد، وسار بالموكب والطوق المرصع بالجواهر، وأصناف الدر واليواقيت، وجعل يركض الحصان في عسكره، ويفتخر بتيهه وتجبُّره، فأتاه إبليس فوضع يده على منخره، ونفخ في أنفه نفخة الكبر والعجب، فزَهَا وقال في نفسه: مَن في العالَم مثلي؟ وطفق يتيه بالعجب والكبر، ويُظهِر الأبهة ويزهو بالخيلاء، ولا ينظر إلى أحد من تيهه وكبره وعجبه وفخره، فوقف بين يدَيْه رجل عليه ثياب رثَّة، فسلَّمَ عليه، فردَّ عليه السلام، فقبض على عنان فرسه، فقال له الملك: ارفع يدك فإنك لا تدري بعنان مَن قد أمسكت. فقال له: إن لي إليك حاجة. فقال: اصبر حتى أنزل، واذكر حاجتك. فقال: إنها سر ولا أقولها إلا في أذنك. فمال بسمعه إليه فقال له: أنا ملك الموت، وأريد قبض روحك. فقال: امهلني بقدر ما أعود إلى بيتي، وأودع أهلي وأولادي وجيراني وزوجتي. فقال: كلا، لا تعود ولن تراهم أبدًا، فإنه قد مضى أجل عمرك. فأخذ روحه وهو على ظهر فرسه، فخَرَّ ميتًا، ومضى ملك الموت من هناك، فأتى رجلًا صالحًا قد رضي الله عنه فسلَّمَ عليه، فردَّ عليه السلام، فقال ملك الموت: أيها الرجل الصالح، إن لي إليك حاجة وهي سر. فقال له الرجل الصالح: اذكر حاجتك في أذني. فقال: أنا ملك الموت. فقال الرجل: مرحبًا بك، الحمد لله على مجيئك، فإني كنتُ كثيرًا أترقَّب وصولك إليَّ، ولقد طالت غيبتك عن المشتاق إلى قدومك. فقال له ملك الموت: إن كان لك شغل فاقْضِه. فقال له: ليس لي شغل أهم عندي من لقاء ربي عزَّ وجلَّ. فقال: كيف تحب أن أقبض روحك؟ فإني أُمِرت أن أقبضها كيف أردتَ واخترتَ. فقال: أمهلني حتى أتوضأ وأصلي، فإذا سجدتُ فاقبض روحي وأنا ساجد. فقال ملك الموت: إن ربي عزَّ وجلَّ أمرني ألَّا أقبض روحك إلا باختيارك كيف أردتَ، وأنا أفعل ما قلتَ. فقام الرجل وتوضأ وصلَّى، فقبض ملك الموت روحَه وهو ساجِد، ونقله الله تعالى إلى محل الرحمة والرضوان والمغفرة.
حكاية الملك الغني ومَلَك الموت
وحُكِي أن ملكًا من الملوك كان قد جمع مالًا عظيمًا لا يُحصَى عدده، واحتوى على أشياء كثيرة من كل نوع خلقه الله تعالى في الدنيا ليرفِّه نفسه، حتى إذا أراد أن يتفرَّغ لما جمعه من النِّعَم الطائلة، بنى له قصرًا عاليًا مرتفعًا شاهقًا يصلح للملوك، ويكون بهم لائقًا، ثم ركَّبَ عليه بابين محكمين، ورتب له الغلمان والأجناد والبوابين كما أراد، ثم أمر الطباخ في بعض الأيام أن يصنع له شيئًا من أطيب الطعام، وجمع أهله وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده، وينالوا رِفْده، وجلس على سرير مملكته وسيادته، واتكأ على وسادته، وخاطَبَ نفسه وقال: يا نفسُ، قد جمعتُ لكِ نِعَم الدنيا بأسرها، فالآن تفرَّغي وكلي من هذه النِّعَم مهنَّأة بالعمر الطويل، والحظ الجزيل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.