فلما كانت الليلة ٤٦٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مَلَك الموت قال للمَلِك: هيهات هيهات، لا سبيلَ لك إلى ذلك، وكيف أمهلك وأيام عمرك محسوبة، وأنفاسك معدودة، وأوقاتك مثبوتة مكتوبة؟ فقال: أمهلني ساعة. فقال: إن الساعة في الحساب وقد مضت وأنت غافل، وانقضت وأنت ذاهل، وقد استوفيت أنفاسك، ولم يَبْقَ لك إلا نفس واحدة. فقال: مَن يكون عندي إذا نُقِلت إلى لحدي؟ قال: لا يكون عندك إلا عملك. فقال: ما لي عمل. قال: لا جرم أنه يكون مقيلك في النار، ومصيرك إلى غضب الجبار. ثم قبض روحه فخرَّ ساقطًا عن سريره، ووقع إلى الأرض، فحصل الضجيج في أهل مملكته، وارتفعت الأصوات، وعلا الصياح والبكاء، ولو علموا ما يصير إليه من سخط ربه لَكان بكاؤهم عليه أكثر، وعويلهم أشدُّ وأوفر.
حكاية إسكندر ذي القرنين
ومما يُحكَى أن إسكندر ذا القرنين اجتاز في سفره بقوم ضعفاء لا يملكون شيئًا من أسباب الدنيا، وقد حفروا قبور موتاهم على أبواب دورهم، وكانوا في كل وقت يتعهدون تلك القبور ويكنسون التراب عنها وينظِّفونها ويزورونها، ويعبدون الله تعالى فيها، وليس لهم طعام إلا الحشيش ونبات الأرض؛ فبعث إليهم إسكندر ذو القرنين رجلًا يستدعي مَلِكهم إليه، فلم يُجِبْه وقال: ما لي إليه حاجة. فسار ذو القرنين إليه وقال: كيف حالكم وما أنتم عليه؟ فإني لا أرى لكم شيئًا من ذهب ولا فضة، ولا أجد عندكم شيئًا من نعيم الدنيا. فقال له: إن نعيم الدنيا لا يشبع منه أحد. فقال له إسكندر: لِمَ حفرتم القبور على أبوابكم؟ فقال: لتكون نصب أعيننا، فننظر إليها ونجدد ذكر الموت ولا ننسى الآخرة، ويذهب حب الدنيا من قلوبنا فلا نشغل بها عن عبادة ربنا تعالى. فقال إسكندر: كيف تأكلون الحشيش؟ قال: لأنَّا نكره أن نجعل في بطوننا قبورَ الحيوانات، ولأن لذة الطعام لا تتجاوز الحلق. ثم مدَّ يده فأخرج قِحْفًا من رأس آدمي، فوضعه بين يدي إسكندر وقال له: يا ذا القرنين، أتعلم مَن كان صاحب هذا؟ قال: لا. قال: كان صاحبه مَلِكًا من ملوك الدنيا، فكان يظلم رعيته ويجور عليهم وعلى الضعفاء، ويستفرغ زمانه في جمع حطام الدنيا، فقبض الله روحه وجعل النار مقرَّه وهذا رأسه.
ثم مدَّ يدَه ووضع قِحْفًا آخَر بين يديه وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا كان مَلِكًا من ملوك الأرض، وكان عادلًا في رعيته شفوقًا على أهل ولايته وملكه، فقبض الله روحه وأسكنه جنته ورفع درجته. ووضع يده على رأس ذي القرنين وقال: تُرَى، أنت أي هذين الرأسين؟ فبكى ذو القرنين بكاءً شديدًا وضمَّه إلى صدره وقال له: إن أنت رغبتَ في صحبتي سلَّمت إليك وزراتي وقاسَمْتُك في مملكتي. فقال الرجل: هيهات هيهات، ما لي رغبة في هذا. فقال له إسكندر: ولِمَ ذلك؟ قال: لأن الخلق كلهم أعداؤك بسبب المال، والملك الذي أعطيته، وجميعهم أصدقائي في الحقيقة بسبب القناعة والصعلكة؛ لأنني ليس لي ملك ولا طمع في الدنيا، ولا لي إليها طلب ولا فيها أرب، وليس لي إلا القناعة فحسب. فضَمَّه إسكندر إلى صدره وقبَّلَه بين عينَيْه وانصرف.
حكاية أنو شروان وتظاهُره بالمرض
ومما يُحكَى أن الملك العادل أنو شروان أظهَرَ يومًا من الأيام أنه مريض، وأنفذ ثقاته وأمناءه وأمرهم أن يطوفوا أقطارَ مملكته وأكتافَ ولايته، وأن يتطلبوا له لبنة عتيقة من قرية خربة ليتداوى بها، وذكر لأصحابه أن الأطباء وصفوا له ذلك؛ فطافوا أقطار مملكته وجميع ولايته وعادوا إليه فقالوا: ما وجدنا في جميع المملكة مكانًا خربًا ولا لبنة عتيقة. ففرح أنوشروان بهذا وشكر الله وقال: إنما أردتُ أن أجرِّب ولايتي وأختبر مملكتي، لأعلم هل بقي فيها موضع خرب لأعمِّره؟ وحيث إنه الآن لم يَبْقَ فيها مكان إلا وهو عامر، فقد تمت أمور المملكة وانتظمت الأحوال، ووصلت العمارة إلى درجة الكمال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.