فلما كانت الليلة ٤٦٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المرأة لما صارت مقصودة للناس، وهي مقبلة على عبادتها في الصومعة، كان من قضاء الله تعالى أنه نزل بأخي زوجها الذي رجمها عاهة في وجهه، وأصاب المرأةَ التي ضربتها برصٌ، وابتُلِي الشاطر بوجعٍ أقعَدَه، وقد جاء القاضي زوجها من حجه، وسأل أخاه عنها، فأخبره أنها ماتت، فأسف عليها، واحتسبها عند الله، ثم تسامعت الناس بالمرأة حتى كانوا يقصدون صومعتها من أطراف الأرض ذات الطول والعرض، فقال القاضي لأخيه: يا أخي، هلَّا قصدتَ هذه المرأة الصالحة؟ لعل الله يجعل لك على يدَيْها شفاء. قال: يا أخي، احملني إليها. وسمع بها زوج المرأة التي نزل بها البرص فسار بها إليها، وسمع أهل الشاطر المُقعَد بخبرها فساروا به إليها أيضًا، واجتمع الجميع عند باب صومعتها، وكانت ترى جميع مَن يأتي صومعتها من حيث لا يراها أحد، فانتظروا خادمها حتى جاء ورغبوا إليه في أن يستأذن لهم في الدخول عليها ففعل، فانتقبت واستترت، ووقفت عند الباب تنظر زوجها وأخاه واللص والمرأة، وعرفَتْهم وهم لا يعرفونها، فقالت لهم: يا هؤلاء، إنكم ما تستريحون مما بكم حتى تعترفوا بذنوبكم، فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه، وأعطاه ما هو متوجِّه فيه إليه. فقال القاضي لأخيه: يا أخي، تُبْ إلى الله، ولا تُصِرَّ على عصيانك، فإنه أنفع لخلاصك، ولسان الحال يقول هذا المقال:
قال: فعند ذلك قال أخو القاضي: الآن أقول الحق؛ إني فعلت بزوجتك ما هو كذا وكذا، وهذا ذنبي. فقالت البرصاء: وأنا كانت عندي امرأة، فنسبتُ إليها ما لم أعلمه، وضربتُها عمدًا، وهذا ذنبي. فقال المُقعَد: وأنا دخلتُ على امرأةٍ لأقتلها بعد مراودتها عن نفسها، وامتناعها من الزنا، فذبحتُ صبيًّا كان بين يدَيْها وهذا ذنبي. فقالت المرأة: اللهم كما أريْتَهم ذلَّ المعصية، فأَرِهِم عزَّ الطاعة، إنك على كل شيء قدير. فشفاهم الله عز وجل. وجعل القاضي ينظر إليها ويتأملها، فسألته عن سبب النظر، فقال: كانت لي زوجة، ولولا أنها ماتت لقلتُ إنها أنتِ. فعرَّفَتْه بنفسها، وجعلَا يحمدان الله عزَّ وجلَّ على ما مَنَّ عليهما به من جمع شملهما، ثم طفق كلٌّ من أخي القاضي واللص والمرأة يسألونها المسامحة، فسامحَتِ الجميع، وعبدوا الله تعالى في ذلك المكان، مع لزوم خدمتها إلى أن فرَّقَ الموتُ بينهم.
حكاية امرأة مسافرة إلى الحج وابنها
ومما يُحكَى أن بعض السادة قال: بينما أنا أطوف بالكعبة في ليلة مظلمة، إذ سمعتُ صوتًا ذا حنين ينطق عن قلب حزين، وهو يقول: يا كريم لطفك القديم، فإن قلبي على العهد مُقِيم. فتطايَرَ قلبي لسماع ذلك الصوت تطايُرًا أشرفْتُ منه على الموت، فقصدتُ نحوه فإذا صاحبته امرأة فقلت: السلام عليك يا أمة الله. فقالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فقلتُ: أسألك بالله العظيم ما العهد الذي قلبك عليه مُقِيم؟ فقالت: لولا قسمك بالجبَّار ما أطلعتُكَ على الأسرار، انظر ما بين يدي، فنظر فإذا بين يديها صبي نائم يغطُّ في نومه، فقالت: خرجتُ وأنا حامل بهذا الصبي لأحجَّ هذا البيت، فركبتُ في سفينة فهالت علينا الأمواج، واختلفَتْ علينا الرياح، وانكسرت بنا السفينة، فنجوت على لوحٍ منها، ووضعت هذا الصبي وأنا على ذلك اللوح، فبينما هو في حجري، والأمواج تضربني … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.