فلما كانت الليلة ٣٢٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علي شار لما أفاق من غشيته رأى العجوز تبكي من أجله، وتفيض دمع العين، فتضجر وأنشد هذين البيتين:
فحزنت عليه وقالت له: اقعد هنا حتى أكشف لك الخبر وأعود بسرعة. فقال: سمعًا وطاعة. ثم تركته وذهبت وغابت عنه إلى نصف النهار ثم عادت إليه وقالت: يا علي، ما أظن إلا أنك تموت بحسرتك؛ لأنك ما بقيت تنظر محبوبتك إلا على الصراط؛ وذلك أن أهل القصر لما أصبحوا وجدوا الشباك الذي يطل على البستان مخلوعًا، ووجدوا زمرد مفقودة ومعها خُرْج مال للنصراني، ولما وصلتُ هناك وجدت الوالي واقفًا على باب القصر هو وجماعته، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلمَّا سمع علي شار منها هذا الكلام تبدَّلَ الضياء في وجهه بالظلام، ويئس من الحياة وأيقن بالوفاة، وما زال يبكي حتى وقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق أضرَّ به العشق والفراق، ومرض مرضًا شديدًا ولزم داره، فما زالت العجوز تأتيه بالأطباء وتسقيه الأشربة وتعمل له المساليق مدة سنة كاملة حتى رُدَّتْ له روحه، فتذكَّر ما فات وأنشد هذه الأبيات:
ولما دخلت عليه السنة الثانية قالت له العجوز: يا ولدي، هذا الذي أنت فيه من الكآبة والحزن لا يرد عليك محبوبتك، فقُمْ وشدَّ حيلك وفتِّش عليها في البلاد، لعلك أن تقع على خبرها. ولم تزل تجلِّده وتقوِّيه حتى نشَّطته وأدخلته الحمام، وأسقته الشراب وأطعمته الدجاج، وصارت كل يوم تفعل معه كذلك مدة شهر حتى تقوَّى وسافر، ولم يزل مسافرًا إلى أن وصل إلى مدينة زمرد، ودخل الميدان وجلس على الطعام، ومد يده ليأكل فحزنت عليه الناس، وقالوا له: يا شاب، لا تأكل من هذا الصحن؛ لأن مَن أكل منه يحصل له ضرر. فقال: دعوني آكل منه، ويفعلون بي ما يريدون، لعلي أستريح من هذه الحياة المتعبة. ثم أكل أول لقمة وأرادت زمرد أن تحضره بين يديها، فخطر ببالها أنه جائع، فقالت في نفسها: المناسب أني أدعه يأكل حتى يشبع. فصار يأكل والخلق باهتة له ينتظرون الذي يجري له، فلما أكل وشبع قالت لبعض الطواشية: امضوا إلى ذلك الشاب الذي يأكل من الأرز وهاتوه برفق، وقولوا له: كلِّم الملك لسؤال لطيف وجواب. فقالوا: سمعًا وطاعة. ثم ذهبوا إليه حتى وقفوا على رأسه، وقالوا له: يا سيدي، تفضَّلْ كلِّم الملك وأنت منشرح الصدر. فقال: سمعًا وطاعة. ثم مضى مع الطواشية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.