فلما كانت الليلة ٤٦٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخادمة خرجَتْ إلى الرجل ودَعَتْه، وقالت: ادخل فإن سيدتي تريد أن تشتري من هذا الذي بيدك شيئًا بعد أن تختبره وتنظر إليه. فتخيَّلَ الرجل أنها صادقة في قولها، ولم يَرَ في ذلك بأسًا، فدخل وقعد كما أمرته، فأغلقت الباب عليه، وخرجت سيدتها من بيتها، وأمسكت جلابيبه وجذبته وأدخلته، وقالت له: كم ذا؟ أطلب خلوة منك، وقد عِيل صبري من أجلك، وهذا البيت مبخَّر، والطعام محضَّر، وصاحب الدار غائب في هذه الليلة، وأنا قد وهبتُ لك نفسي، ولطالما طلبني الملوك والرؤساء وأصحاب الدنيا ولم ألتفت لأحدٍ منهم. وطال أمرها في القول، والرجل لا يرفع رأسه من الأرض حياءً من الله تعالى، وخوفًا من أليم عقابه، كما قال الشاعر:
قال: وطمع الرجل في أن يخلص نفسه منها، فلم يقدر، فقال: أريد منك شيئًا. قالت: وما هو؟ قال: أريد ماءً طاهرًا أصعد به إلى أعلى موضع في دارك لأقضي به أمرًا، وأغسل به درنًا ممَّا لا يمكنني أن أُطلِعَك عليه. فقالت: الدار متَّسِعة، ولها خبايا وزوايا، وبيت الطهرة مُعَدٌّ. قال: ما غرضي إلا الارتفاع. فقالت لخادمتها: اصعدي به إلى المنظرة العليا من الدار. فصعدَتْ به إلى أعلى موضع فيها، ودفعت له آنية الماء ونزلت، فتوضَّأَ الرجل وصلَّى ركعتين، ونظر إلى الأرض ليُلقِي نفسه، فرآها بعيدة، فخاف ألَّا يصل إليها إلا وقد تمزَّقَ، ثم تفكَّرَ في معصية الله تعالى وعقابه، فهان عليه بذل نفسه وسفك دمه، فقال: إلهي وسيدي، ترى ما نزل بي، ولا يخفى عليك حالي، إنك على كل شيء قدير. ولسان الحال يُنشِد ويقول في المعنى:
ثم إن الرجل ألقى نفسه من أعلى المنظرة، فبعث الله إليه ملكًا احتمله على جناحه، وأنزله إلى الأرض سالمًا دون أن يناله ما يؤذيه، فلما استقرَّ بالأرض حمد الله عزَّ وجلَّ على ما أولاه من عصمته، وما أناله من رحمته، وسار دون شيء إلى زوجته، وكان قد أبطأ عنها، فدخل وليس معه شيء، فسألته عن سبب بطئه، وعمَّا خرج به في يده، وما فعل به، وكيف رجع بدون شيء، فأخبرها بما عرض له من الفتنة، وأنه ألقى نفسه من ذلك الموضع فنجَّاه الله، فقالت زوجته: الحمد لله الذي صرف عنك الفتنة، وحال بينك وبين المحنة. ثم قالت: يا رجل، إن الجيران قد تعوَّدوا منَّا أن نُوقِد تنُّورَنا في كل ليلة، فإن رأونا الليلة دون نارٍ علموا أننا بلا شيء، ومن شكر الله كتم ما نحن فيه من الخصاصة، ووصال صوم هذه الليلة باليوم الماضي، وقيامها لله تعالى. فقامت إلى التنُّورِ، وملأته حطبًا، وأضرمته لتغالِط به الجارات، وأنشدت تقول هذه الأبيات:
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.