فلما كانت الليلة ٤٧٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المرأة لما أضرمَتِ النار تغالط الجيران، نهضت هي وزوجها وتوضَآ وقامَا إلى الصلاة، فإذا امرأة من جارتها تستأذن في أن توقد من تنُّورِهما، فقالا لها: شأنك والتنُّور. فلما دَنَتِ المرأة من التنُّور لتأخذ النارَ نادت: يا فلانة، أدركي خبزك قبل أن يحترق. فقالت امرأة الرجل لزوجها: أسمعتَ ما تقول هذه المرأة؟ فقال: قومي وانظري. فقامت وتوجَّهَتْ للتنُّور، فإذا هو قد امتلأ من خبز نقي أبيض، فأخذت المرأة الأرغفة، ودخلت على زوجها وهي تشكر الله عزَّ وجلَّ على ما أولى من الخير العميم، والمنِّ الجسيم، فأكلَا من الخبز، وشربَا من الماء، وحمدَا الله تعالى، ثم قالت المرأة لزوجها: تعال ندعُ الله تعالى عساه أن يمنَّ علينا بشيء يُغنِينا عن كدِّ المعيشة، وتعب العمل، ويُعِيننا به على عبادته والقيام بطاعته. قال لها: نعم. فدعا الرجل ربَّه، وأمَّنَتِ المرأة على دعائه، فإذا السقف قد انفرج، ونزلت ياقوتة أضاء البيت من نورها، فزادَا شكرًا وثناءً، وسُرَّا بتلك الياقوتة سرورًا كثيرًا، وصليَا ما شاء الله تعالى. فلما كانَا آخِر الليل نامَا، فرأت المرأة في منامها كأنها دخلَتِ الجنة، وشاهدت منابر كثيرة مصفوفة، وكراسي منصوبة، فقالت: ما هذه المنابر، وما هذه الكراسي؟ فقيل لها: هذه منابر الأنبياء، وهذه كراسي الصديقين والصالحين. فقالت: وأين كرسي زوجي فلان؟ فقيل لها: هذا. فنظرت إليه فإذا في جانبه ثلم، فقالت: وما هذا الثلم؟ فقيل لها: هو ثلم الياقوتة النازلة عليكما من سقف بيتكما. فانتبهت من منامها وهي باكية حزينة على نقصان كرسي زوجها بين كراسي الصدِّيقين، فقالت: أيها الرجل، ادعُ ربَّكَ أن يردَّ هذه الياقوتة إلى موضعها؛ فمكابدةُ الجوع والمسكنةُ في الأيام القلائل أهون من ثلم كرسيك بين أصحاب الفضائل. فدعا الرجل ربه، فإذا الياقوتة قد طارت صاعدةً إلى السقف، وهما ينظران إليها، وما زالا على فقرهما وعبادتهما، حتى لقيَا الله عزَّ وجلَّ.
حكاية الحجاج بن يوسف الثقفي والسجين المتعبِّد
ومما يُحكَى أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يتطلَّب رجلًا من الأكابر، فلما حضر بين يدَيْه قال: أي عدو الله قد أمكن الله منك. ثم قال: احملوه إلى السجن وقيِّدوه بقيد ضيق ثقيل، وابنوا عليه بيتًا لا يخرج منه، ولا يدخل إليه فيه أحد. فأمر بالرجل إلى السجن وأحضر الحداد والقيد، وكان الحداد إذا ضرب بمطرقته يرفع الرجل رأسه وينظر إلى السماء ويقول: أَلَا له الخلق والأمر. فلما فرغ منه بنى السجَّان عليه البيت وتركه فيه وحيدًا فريدًا؛ فداخَلَه الوَجْد والذهول ولسان حاله ينشد ويقول:
فلما جنَّ الليل أبقى السجَّان حرسه عنده وذهب إلى بيته، ولما أصبح جاء وتفقَّدَ الرجل فإذا القيد مطروح والرجل ليس له خبر؛ فخاف السجان وأيقَنَ بالموت، فسار إلى منزله وودَّعَ أهله وأخذ كفنه وحنوطه في كمه ودخل على الحجاج؛ فلما وقف بين يدَيْه شمَّ الحجاج رائحة الحنوط فقال: ما هذا؟ قال: يا مولاي، أنا جئتُ به. قال: وما حملك على هذا؟ فأخبره بخبر الرجل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.