فلما كانت الليلة ٤٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الحداد قال لها: أبشري فإن الله قد أجاب دعوتك. فألقت اللقمة من يدها وقالت: اللهم كما أريتَني مرادي فيه وأجبتَ دعوتي له، فاقبض روحي إنك على كل شيء قدير. فقبض الله روحها تلك الساعة رحمة الله عليها. وأنشد لسان الحال في هذا المعنى وقال:
حكاية رجل إسرائيلي وسحابة
وحُكِي أنه كان في بني إسرائيل رجل من العباد المشهورين بالعبادة المعصومين الموصوفين بالزهادة، وكان إذا دعا ربه أجابه، وإذا سأل أعطاه وآتاه مُنَاه، وكان سيَّاحًا في الجبال قوَّام الليل، وكان الله سبحانه وتعالى قد سخر له سحابة تسير معه حيث يسير، وتسكب عليه ماء منهمرًا فيتوضأ منه ويشرب؛ فما زال على ذلك إلى أن اعتراه فتور في بعض الأوقات، فأزال الله عنه سحابته وحجب عنه إجابته؛ فكثر لذلك حزنه وطال كمده، وما زال يشتاق إلى زمن الكرامة الممنون بها عليه، ويتحسَّر ويتأسَّف ويتلهَّف؛ فنام ليلة من الليالي، فقيل له في نومه: إنْ شئتَ أن يردَّ الله عليك سحابتك، فاقصد الملك الفلاني في بلد كذا أو كذا، واسأله أن يدعو لك فإن الله سبحانه وتعالى يردُّها عليك ويسوقها إليك ببركة دعواته الصالحات. وأنشد يقول هذه الأبيات:
قال: فسار الرجل يقطع الأرض حتى دخل البلدة التي ذُكِرت له في المنام، فسأل عن الملك فدُلَّ عليه، فسار إلى قصره، فإذا عند باب القصر غلام قاعِد على كرسي عظيم، وعليه كسوة هائلة، فوقف الرجل وسلَّمَ، فردَّ عليه السلام وقال: ما حاجتك؟ قال: أنا رجل مظلوم وقد جئتُ الملكَ أرفع قصتي إليه. قال: لا سبيل لك اليوم عليه؛ لأنه قد جعل لأهل المسائل في الأسبوع يومًا يدخلون عليه فيه، وهو يوم كذا أو كذا، فسِرْ راشدًا حتى يأتي ذلك اليوم. فأنكر الرجل عليه تحجُّبَه عن الناس وقال: كيف يكون هذا وليًّا من أولياء الله عزَّ وجلَّ، وهو على مثل هذا الحال؟
وذهب ينتظر اليوم الذي قيل له عليه، فلما كان ذلك اليوم الذي ذكره البوَّاب دخلت، فوجدت عند الباب أناسًا ينتظرون الإذن لهم في الدخول؛ فوقفت معهم إلى أن خرج وزير عليه ثياب هائلة، وبين يديه خدم وعبيد فقال: ليدخل أرباب المسائل. فدخلوا ودخلت في الجملة، فإذا الملك قاعد وبين يديه أرباب مملكته على قدر مقاديرهم ومراتبهم؛ فوقف الوزير وجعل يقدِّم واحدًا بعد واحد حتى وصلَتِ النوبة إليَّ، فلما قدَّمني الوزير نظر الملك إليَّ وقال: مرحبًا بصاحب السحابة، أقعد حتى أفرع لك. فتحيَّرْتُ من قوله واعترفتُ بمرتبته وفضله. فلما قضى بين الناس وفرغ منهم قام وقام الوزير وأرباب المملكة، ثم أخذ الملك بيدي وأدخلني إلى قصره، فوجدت عند باب القصر عبدًا أسود وعليه ثياب هائلة، وفوق رأسه أسلحة، وعن يمينه وشماله دروع وقسي؛ فقام إلى الملك وسارَعَ لأمره وقضاء حوائجه، ثم فتح باب القصر فدخل الملك ويدي في يده، فإذا بين يدَيْه باب قصير ففتحه الملك بنفسه ودخل إلى خربة وبناء هائل، ثم دخل إلى بيت ليس فيه إلا سجادة وقدح للوضوء وشيء من الخوص؛ ثم جرَّدَ ثيابه التي كانت عليه، ولبس جبة خشنة من الصوف الأبيض، وجعل على رأسه قلنسوة من لبد، ثم قعد وأقعدني ونادى أن يا فلانة لزوجته، فقالت له: لبيك. قال لها: أتدرين مَن ضيفنا في هذا اليوم؟ قالت: نعم، هو صاحب السحابة. فقال لها: اخرجي لا عليك منه. قال: فإذا هي امرأة كأنها الخيال، ووجهها يتلألأ كالهلال، وعليها جبة صوف وقناع. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.