فلما كانت الليلة ٤٧٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما نادَى زوجته، خرجَتْ ووجهها يتلألأ كالهلال، وعليها جبة خشنة من صوف وقناع، فقال الملك: يا أخي، أتريد أن تعرف خبرنا أم ندعو لك وتنصرف؟ قال: بل أريد أن أسمع خبركما فإنه الأشوق إليَّ. فقال له: إنه كان آبائي وأجدادي يتداولون المملكة ويتوارثونها كابرًا عن كابر، إلى أن ماتوا ووصل الأمر إليَّ، فبغض الله ذلك لي؛ فأردت أن أسيح في الأرض وأترك أمر الناس لأنفسهم، ثم إني خفتُ عليهم من دخول الفتنة وتضييع الشرائع وتشتيت شمل الدين، فتركت الأمر على ما كان عليه، وجعلت لكل رأس منهم جراية بالمعروف، ولبست ثياب الملك وأقعدت العبيد على الأبواب إرهابًا لأهل الشر وذابًّا عن أهل الخير وإقامة للحدود؛ فإذا فرغتُ من ذلك كله دخلتُ منزلي وأزلتُ هذه الثياب ولبست ما ترى، وهذه ابنة عمي وافقَتْني على الزهادة وساعدتني على العبادة؛ فنعمل من هذا الخوص بالنهار ما نفطر به عند الليل، وقد مضى علينا ونحن على هذه الحالة نحو أربعين سنة، فأَقِمْ معنا يرحمك الله حتى نبيع خوصنا وتفطر معنا وتبيت عندنا ثم تنصرف بحاجتك إن شاء الله تعالى. قال: فلما كان آخِر النهار، أتى غلام خماسي ودخل، فأخذ ما عملاه من الخوص وسار به إلى السوق، فباعه بقيراط واشترى به خبزًا وفولًا وأتى بهما، فأفطرت معهما ونمت عندهما؛ فقاما من نصف الليل يصليان ويبكيان، فلما كان السحر قال الملك: اللهم إن هذا عبدك يطلب منك أن ترد سحابته عليه، وأنت على ذلك قدير، اللهم أَرِه إجابته وارددْ عليه سحابته. قال: وأمَّنَتِ المرأة، فإذا السحابة قد نشأت في السماء. فقال لي: البشارة. فودَّعْتُهما وانصرفتُ، والسحابة تسير معي كما كانت. فأنا بعد ذلك لا أسأل الله تعالى بحرمتهما شيئًا إلا أجابني، وأنشأت أقول هذه الأبيات:
حكاية المسلم الجريء والنصراني
وحُكِي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جهَّزَ جيشًا من المسلمين تجاه العدو قبل الشام، فحاصروا حصنًا من حصونهم حصارًا شديدًا، وكان في المسلمين رجلان أخوان قد آتاهما الله حدة وجراءة على العدو، وكان أمير ذلك الحصن يقول لأقياله ومَن بين يدَيْه من أبطاله: لو أن هذين المسلمين خطلَا أو قتلَا لَكفيتكم مَن سواهما من المسلمين. قال: فما زالوا ينصبون لهما المصائد ويحتالون عليهما بالمكائد، ويجعلون المكامن ويكثرون الكوامن، إلى أن أُخِذ أحدهما أسيرًا وقُتِل الآخَر شهيدًا؛ فاحتُمِل المسلم الأسير إلى أمير ذلك الحصن، فلما نظر إليه قال: إنَّ قتْلَ هذا لمصيبة، وإن رجوعه إلى المسلمين لكريهة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.