فلما كانت الليلة ٤٧٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العدو لما حملوا المسلم الأسير إلى أمير ذلك الحصن ونظر إليه قال: إنَّ قتْلَ هذا لمصيبة ورجوعه إلى المسلمين لكريهة، ووددت لو يدخل في دين النصرانية عونًا وعضدًا. فقال بطريق من بطارقته: أيها الأمير، أنا أفتنه حتى يرتدَّ عن دينه؛ وذلك أن العرب تكثر الصبوة إلى النساء، ولي بنت لها جمال وكمال، فلو رآها لَفُتِنَ بها. فقال: هو مُسلَّم إليك فاحمله. فحمله إلى منزله، وألبس الصبِيَّة من الثياب ما زاد في زينتها وجمالها، وجاء بالرجل وأدخله المنزل، وأحضر الطعام ووقفت الصبِيَّة النصرانية بين يدَيْه كالخادمة المطيعة لسيدها تنتظر أن يأمرها بأمر تمتثله؛ فلما رأى المسلم ما نزل به، اعتصم بالله تعالى وغضَّ بصره واشتغل بعبادة ربه وقراءة القرآن، وكان له صوتٌ حَسَن وقريحة مؤثرة في النفس، فأحَبَّتْه الصبية النصرانية حبًّا شديدًا، وكَلِفت به كَلَفًا عظيمًا. وما زال كذلك سبعة أيام حتى صارت تقول: ليته يرضى بدخولي في الإسلام. ولسان حالها ينشد هذه الأبيات:
فلما عيل صبرها وضاق صدرها، ترامت بين يدَيْه وقالت: أسألك بدينك إلا ما سمعتَ كلامي. فقال: وما كلامك؟ قالت: اعرضْ عليَّ الإسلامَ. فعرضه عليها وأسلمَتْ، ثم تطهَّرَتْ وعلَّمَها كيف تصلِّي؛ فلما فعلت ذلك قالت: يا أخي، إنما كان دخولي في الإسلام بسببك وابتغاء قُرْبِك. فقال لها: إن الإسلام يمنع من النكاح إلا بشاهدين عَدْلين ومَهْرٍ ووَلِيٍّ، وأنا لا أجد الشاهدين، ولا الولي، ولا المهر، فلو تحيَّلْتِ في خروجنا من هذا الوضع لَرجوتُ الوصولَ إلى دار الإسلام، وأعاهِدُكِ على ألَّا يكون لي زوجة في الإسلام غيرك. فقالت: أنا أحتال لذلك. ثم دعت أباها وأمها وقالت لهما: إن هذا المسلم قد لانَ قلبُه ورغب في الدخول إلى الدين، وأنا أوصله إلى ما يريد من نفسي. فقال: إن هذا لا يتَّفِق لي في بلدٍ قُتِل فيه أخي، فلو خرجتُ منه ليتسلَّى قلبي وفعلتُ ما هو المراد مني، ولا بأسَ أن تُخرِجاني معه إلى بلد أخرى، فإني ضامنة لكما وللمَلِك ما تريدونه. قال: فمشى والدها إلى أميرهم وعرَّفه، فسُرَّ بذلك سرورًا كبيرًا، وأمر بإخراجهما معه إلى القرية التي ذكرَتْ؛ فخرجَا، فلما وصلَا إلى القرية وبقيَا يومهما، وجَنَّ الليل عليهما، أخذَا في الرحيل وقطع السبيل، كما قال بعضهم شعرًا:
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.