فلما كانت الليلة ٤٧٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن تُصنَع وليمة، فحضر المسلمون وأكلوا، ودخل الشاب بعروسه ورزقه الله منها أولادًا يقاتلون في سبيل الله، ويحفظون أنسابَهم لفخرهم، وما أحسن ما قيل في هذا المعنى:
وما زالوا في أرغد عيش وأتمِّ سرور، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرِّق الجماعات.
حكاية بنت الملك والطبيب
ومما يُحكَى أن سيدي إبراهيم بن الخواص رحمة الله عليه قال: طالبَتْني نفسي في وقت من الأوقات بالخروج إلى بلاد الكفار فكفَفْتُها، فلم تكتفِ وتكفَّ، وعملتُ على نفي هذا الخاطر فلم ينتفِ، فخرجتُ أخترق ديارها، وأجول أقطارها، والعناية تكنفني، والرعاية تلحفني، لا ألقى نصرانيًّا إلا غضَّ ناظره عني، وتباعَدَ مني إلى أن أتيتُ مِصْرًا من الأمصار، فوجدتُ عند بابها جماعة من العبيد عليهم الأسلحة، وبأيديهم مقاطع الحديد، فلما رأوني قاموا على القدم، وقالوا لي: أطبيب أنت؟ قلت: نعم. فقالوا: أَجِبِ الملك. واحتملوني إليه، فإذا هو ملك عظيم، ذو وجه وسيم، فلما دخلتُ عليه نظر إليَّ وقال: أطبيب أنت؟ قلتُ: نعم. فقال: احملوه إليها، وعرفوه بالشرط قبل دخوله عليها. فأخرجوني وقالوا لي: إن للملك ابنةً قد أصابها إعلال شديد، وقد أعيا الأطباءَ علاجُها، وما من طبيب دخل عليها وعالَجَها، ولم يَفِدْ طبُّه إلا قتله الملك، فانظر ماذا ترى؟ فقلتُ لهم: إنَّ الملك ساقَني إليها، فأدخلوني عليها، واحتملوني إلى بابها. فلما وصلت قرعوه، فإذا هي تنادي من داخل الدار: أدخلوا عليَّ الطبيب صاحب السر العجيب. وأنشدَتْ تقول:
قال: فإذا شيخ كبير قد فتح الباب بسرعة وقال: ادخل. فدخلتُ، فإذا بيت مبسوط بأنواع الرياحين، وستر مضروب في زاويته، ومن خلفه أنين ضعيف يخرج من هيكل نحيف، فجلست بإزاء الستر، وأردت أن أسلِّم، فتذكَّرْتُ قولَه ﷺ: «لا تبدءوا اليهودَ ولا النصارى بالسلام، وإذا لقَيْتُموهم في طريقٍ، فاضطروهم إلى أضيقه.» فأمسكتُ، فنادَتْ مِن داخل الستر: أين سلام التوحيد والإخلاص يا خواص؟ قال: فتعجَّبْتُ من ذلك، وقلت: من أين عرفتني؟ فقالت: إذا صفَتِ القلوبُ والخواطر أعربَتِ الألسنُ عن مخبآت الضمائر، وقد سألتُه البارحةَ أن يبعث إليَّ وليًّا من أوليائه، يكون لي على يدَيْه الخلاص، فنُودِيتُ من زوايا بيتي: لا تحزني؛ إنا سنُرسِل إليك إبراهيم الخواص. فقلتُ لها: ما خبرك؟ فقالت لي: أنا منذ أربع سنين قد لاحَ لي الحقُّ المُبِين، فهو المحدث والأنيس والمقرب والجليس، فرمقني قومي بالعيون، وظنوا بي الظنون، ونسبوني إلى الجنون، فما دخل عليَّ طبيب منهم إلا أوحشني، ولا زائر إلا أدهشني، فقلت: ومَن دَلَّكِ على ما وصلتِ إليه؟ قالت: براهينه الواضحة، وآياته اللائحة، وإذا وضح لك السبيل شاهدتَ المدلول والدليل. قال: فبينما أنا أكلِّمها إذ جاء الشيخ الموكل بها، وقال لها: ما فعل طبيبك؟ قالت: عرف العلة، وأصاب الدواء. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.