فلما كانت الليلة ٤٧٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ الموكل بها لما دخل عليها قال لها: ما فعل طبيبك؟ قالت: عرف العلة، وأصاب الدواء. فظهر لي منه البشر والسرور، وقابَلَني بالبر والحبور، وسار إلى الملك وأخبره، فحَضَّه الملك على إكرامي، فبقيتُ أختلف إليها سبعة أيام، فقالت: يا أبا إسحاق، متى تكون الهجرة إلى دار الإسلام؟ فقلت: كيف يكون خروجك؟ ومَن يتجاسر عليه؟ فقالت: الذي أدخلَكَ عليَّ وساقَكَ إليَّ. فقلت: نِعْمَ ما قلتِ. فلما كان الغد خرجنا على باب الحصن، وحجب عنَّا العيون من أمره إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ. قال: فما رأيتُ أصبرَ منها على الصيام والقيام، فجاورَتْ بيتَ الله الحرام سبعة أعوام، ثم قضَتْ نحبها، وكانت أرض مكة تربها، أنزل الله عليها الرحمات، ورحم مَن قال هذه الأبيات:
حكاية النبي والفارس
وحُكِي أنَّ نبيًّا من الأنبياء كان يتعبَّد في جبل مرتفع، وتحته عين ماء تجري؛ فكان بالنهار يقعد في أعلى الجبل من حيث لا تراه الناس وهو يذكر الله تعالى، وينظر إلى مَن يَرِدُ العينَ من الناس. فبينما هو ذات يوم قاعد ينظر إلى العين إذ بصر بفارس قد أقبَلَ، ونزل عن فرسه ووضع جرابًا كان في عنقه، واستراح وشرب من الماء، ثم راح وترك الجراب وكان فيه دنانير، وإذا رجل أقبل وأراد العين فأخذ الجراب بالمال وشرب من الماء وانصرف سالمًا. فجاء بعده رجل حطَّاب وهو حامل حزمة حطب ثقيلة على ظهره، وقعد على العين يشرب من الماء، فإذا الفارس الأول قد أقبَلَ لهفان وقال للحطَّاب: أين الجراب الذي كان هنا؟ فقال: لا أدري له خبرًا. فجذب الفارس سيفه وضرب الحطَّاب وقتله، وفتَّشَ في ثيابه فلم يجد شيئًا، فتركه وسار إلى حال سبيله. فقال ذلك النبي: يا رب، واحد أخذ ألف دينار وآخَر قُتِل مظلومًا. فأوحى الله إليه أن اشتغل بعبادتك، فإن تدبير المملكة ليس من شأنك؛ إن والد هذا الفارس كان قد غصب ألف دينار من مال والد هذا الرجل، فمكَّنْتُ الولدَ من مال أبيه، وإنَّ الحطاب كان قد قتل والد هذا الفارس، فمكَّنْتُ الولدَ من القصاص. فقال ذلك النبي: لا إله إلا أنت سبحانك، أنت علَّام الغيوب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.