فلما كانت الليلة ٣٢٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علي شار قال: سمعًا وطاعة. ثم ذهب مع الطواشية، فقال الخلق لبعضهم: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا ترى ما الذي يفعله به الملك؟ فقال بعضهم: لا يفعل به إلا خيرًا؛ لأنه لو كان يريد ضرره ما كان تركه يأكل حتى يشبع. فلما وقف قدَّام زمرد سلَّم وقبَّل الأرض بين يديها، فردَّت عليه السلام، وقابلته بالإكرام، وقالت له: ما اسمك؟ وما صنعتك؟ وما سبب مجيئك إلى هذه المدينة؟ فقال لها: يا ملك اسمي علي شار، وأنا من أولاد التجار، وبلدي خراسان، وسبب مجيئي إلى هذه المدينة التفتيش على جارية ضاعت مني، وكانت عندي أعزَّ من سمعي وبصري، فروحي متعلِّقة من حين فقدتُها، وهذه قصتي. ثم بكى حتى غشي عليه، فأمرت أن يرشوا على وجهه ماء الورد، فرشوا على وجهه ماء الورد حتى أفاق، فلما أفاق من غشيته قالت: عليَّ بتخت الرمل والقلم النحاس. فجاءوا به فأخذت القلم وضربت تخت رمل، وتأمَّلت فيه ساعة من الزمان، ثم بعد ذلك قالت له: صدقتَ في كلامك، الله يجمعك عليها قريبًا فلا تقلق. ثم أمرت الحاجب أن يمضي به إلى الحمام، ويُلبِسه بدلة حسنة من ثياب الملوك، ويركبه فرسًا من خواص خيل الملك، ويمضي به بعد ذلك إلى القصر في آخِر النهار. فقال الحاجب: سمعًا وطاعة. ثم أخذه من قدَّامها وتوجَّه به، فقال الناس لبعضهم: ما بال السلطان لاطَفَ الغلام هذه الملاطفة؟ وقال بعضهم: أَمَا قلتُ لكم إنه لا يسيئه فإن شكله حسن، ومن حين صبر عليه لما شبع عرفت ذلك. وصار كل واحد منهم يقول مقالة، ثم تفرَّق الناس إلى حال سبيلهم، وما صدقت زمرد أن الليل يقبل حتى تختلي بمحبوب قلبها. فلما أتى الليل دخلَتْ محل مبيتها، وأظهرت أنه غلب عليها النوم، ولم يكن لها عادة بأن ينام عندها أحد غير خادمين صغيرين برسم الخدمة، فلما استقرَّتْ في ذلك المحل أرسلَتْ إلى محبوبها علي شار، وقد جلست على السرير، والشمع يضيء فوق رأسها وتحت رجليها، والتعاليق الذهب مشرقة في ذلك المحل، فلما سمع الناس بإرسالها إليه تعجَّبوا من ذلك، وصار كل واحد منهم يظن ظنًّا، ويقول مقالة، وقال بعضهم: إن الملك على كل حال تعلَّقَ بهذا الغلام، وفي غدٍ يجعله قائد عسكر. فلما دخلوا به عليها قبَّلَ الأرض بين يديها ودعا لها، فقالت في نفسها: لا بد أن أمزح معه ساعة، ولا أُعلِمه بنفسي. ثم قالت: يا علي، هل ذهبت إلى الحمام؟ قال: نعم يا مولاي. قالت: قم كُلْ من هذا الدجاج واللحم، واشرب من هذا السُّكْر والشراب فإنك تعبان، وبعد ذلك تعال هنا. فقال: سمعًا وطاعة. ثم فعل ما أمرته به، ولما فرغ من الأكل والشرب قالت له: اطلع عندي على السرير وكبِّسني. فشرع يكبِّس رجليها وسيقانها فوجدها أنعم من الحرير، فقالت له: اطلع بالتكبيس إلى فوق. فقال: العفو يا مولاي، من عند الركبة ما أتعدَّى. قالت: أتخالفني فتكون ليلة مشئومة عليك؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.