فلما كانت الليلة ٤٧٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن النبي لما أوحى الله إليه أن اشتغل بعبادتك، وأخبره بحقيقة الأمر قال: لا إله إلا أنت سبحانك، أنت علام الغيوب. وأنشد بعضهم في هذا المعنى شعرًا:
حكاية الملَّاح والشيخ
ومما يُحكَى أن رجلًا من الصالحين قال: كنتُ ملَّاحًا بنيل مصر، أعبر من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي، فبينما أنا ذات يوم من الأيام قاعد في الزورق إذا بشيخ ذي وجه مُشرِق قد وقف عليَّ وسلَّمَ، فرددتُ عليه السلام، فقال: تحملني لله تعالى. قلت: نعم. قال: وتُطعِمني لله. قلت: نعم. فصعد الزورق وعبرت به إلى الجانب الشرقي، وكان عليه مرقعة وبيده ركوة وعصًا، فلما أراد النزول قال لي: إني أريد أن أحملك أمانة. قلت: وما هي؟ قال: إذا كان الغد وألهمت أن تأتيني وقت الظهر وأتيت ووجدتني تحت تلك الشجرة ميتًا، فغسِّلني وكفِّني في الكفن الذي تجده تحت رأسي، وادفني بعد الصلاة علي في هذا الرمل، وأمسك المرقعة والركوة والعصا، فإذا جاءك مَن يطلبهن فادفعهن له. قال: فتعجَّبْتُ من قوله وبِتُّ ليلتي تلك، ثم أصبحت أنتظر الوقتَ الذي ذكره لي. فلما جاء وقت الظهر نسيت كما قال، ثم أُلهِمت قريب العصر، فسِرْتُ بسرعة فوجدتُه تحت الشجرة ميتًا، ووجدت كفنًا جديدًا عند رأسه تفوح منه رائحة المسك؛ فغسَّلته وكفَّنته، وصليت عليه وحفرت له قبرًا ودفنته، ثم عبرت النيل وجئت الجانب الغربي ليلًا ومعي المرقعة والركوة والعصا. فلما لاح الصباح وفُتِح باب البلد، بصرت بشاب أصله شاطر كنت أعرفه، عليه ثياب رقيقة وفي يده أثر حناء، فأتى حتى وصل إليَّ فقال: أنت فلان؟ قلت: نعم. قال: هات الأمانة. قلت: وما هي؟ قال: المرقعة والركوة والعصا. فقلت: ومَن لك بهن؟ قال: لا أدري، غير أني بتُّ البارحة في عرس فلان، وسهرت أغني إلى أن جاء وقت الصبح، فنمتُ لأستريح فإذا شخص قد وقف عليَّ وقال لي: إن الله تعالى قد قبض روح فلان الولي وأقامك مقامَه، فسِرْ إلى فلان المعدي وخذ منه مرقعته وركوته وعصاه، فإنه قد وضعها لك عنده. قال: فأخرجتها ودفعتها له، فنضا ثيابه ثم لبسها وسار وتركني؛ فبكيت لما حُرِمت من ذلك. فلما جنَّ الليل عليَّ نمتُ، فرأيتُ ربُّ العزة تبارك وتعالى في المنام، فقال: يا عبدي، أَثَقُلَ عليك أني مَنَنْتُ على عبدٍ من عبادي بالرجوع إليَّ؟ إنما هو فضلي أُوتِيه مَن أشاء، وأنا على كل شيء قدير. فأنشدت هذه الأبيات:
حكاية إسرائيلي وملك الجزيرة
ومما يُحكَى أنَّ رجلًا من خيار بني إسرائيل كان كثير المال، وله ولد صالح مبارك، فحضرت الرجل الوفاة، فقعد ولده عند رأسه، وقال: يا سيدي، أوصني. فقال: يا بني، لا تحلف بالله بارًّا، ولا فاجرًا. ثم مات الرجل، وبقي الولد بعد أبيه، فتسامَعَ به فُسَّاق بني إسرائيل، فكان الرجل يأتيه فيقول له: لي عند والدك كذا أو كذا، وأنت تعلم بذلك، أَعْطِني ما في ذمته وإلا فاحلف. فيقف الولد مع الوصية، ويعطيه جميع ما طلبه، فما زالوا به حتى فني ماله، واشتدَّ إقلاله، وكان للولد زوجة صالحة مباركة، وله منها ولدان صغيران، فقال لها: إن الناس قد أكثروا طلبي، وما دام معي ما أدفع به عن نفسي بذلته، والآن لم يَبْقَ لنا شيء، فإن طالَبَني مُطالِب امتحنْتُ أنا وأنت، فالأولى أن نفوز بأنفسنا، ونذهب إلى موضع لا يعرفنا فيه أحد، ونعيش بين أظهر الناس. قال: فركب بها البحر وبولدَيْه وهو لا يعرف أين يتوجَّه، والله يحكم لا معقِّب لحكمه، ولسان الحال يقول:
قال: فانكسرت السفينة، وخرج الرجل على لوح، وخرجت المرأة على لوح، وخرج كل ولد على لوح، وفرَّقَتْهم الأمواج، فحصلت المرأة على بلدة، وحصل أحد الولدين على بلدة أخرى، والتقط الولدَ الآخَر أهلُ سفينة في البحر، وأما الرجل فقذفَتْه الأمواج إلى جزيرة منقطعة، فخرج إليها، فتوضَّأَ من البحر، وأذَّنَ وأقام الصلاة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.