فلما كانت الليلة ٤٨٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجل لما خرج إلى الجزيرة توضَّأَ من البحر، وأذَّنَ وأقام الصلاة، فإذا قد خرج من البحر أشخاص بألوانٍ مختلفة، فصلوا معه، ولما فرغ قام إلى شجرة في الجزيرة، فأكل من ثمرها، فزال عنه جوعه، ثم وجد عين ماء فشرب منها، وحمد الله عزَّ وجلَّ وبقي ثلاثة أيام يصلي، وتخرج أقوام يصلون مثل صلاته، وبعد مضي الأيام الثلاثة سمع مناديًا يناديه: يا أيها الرجل الصالح البار بأبيه، المجلُّ قدر ربِّه، لا تحزن إن الله عز وجل مخلفٌ عليك ما خرج من يدك، فإن في هذه الجزيرة كنوزًا وأموالًا ومنافع يريد الله أن تكون لها وارثًا، وهي في موضع كذا وكذا من هذه الجزيرة، فاكشف عنها، وإنَّا لنسوق إليك السفن، فأحسِنْ إلى الناس، وادْعُهم إليك، فإن الله عزَّ وجلَّ يميل قلوبهم إليك، فقصد ذلك الموضع من الجزيرة، وكشف الله تعالى له عن تلك الكنوز، وصارت أهل السفن تَرِد عليه، فيُحسِن إليهم إحسانًا عظيمًا، ويقول لهم: لعلكم تدلون عليَّ الناس، فإني أعطيهم كذا وكذا، وأجعل لهم كذا وكذا، فصار الناس يأتون من الأقطار والأماكن، وما مضت عليه عشر سنين إلا والجزيرة قد عمرت، والرجل صار ملكها لا يأوي إليه أحد إلا أحسَنَ إليه، وشاع ذِكْره في الأرض بالطول والعرض، وكان ولده الأكبر قد وقع عند رجل علَّمَه وأدَّبَه، والآخَر قد وقع عند رجل ربَّاه، وأحسن تربيته، وعلَّمه طرق التجارة، والمرأة قد وقعت عند رجل من التجار ائتمنها على ماله، وعاهَدَها على ألَّا يخونها، وأن يُعِينها على طاعة الله عزَّ وجلَّ، وكان يسافر بها في السفينة إلى البلاد، ويستصحبها في أي موضع أراد، فسمع الولد الكبير بصيت ذلك الملك، فقصده وهو لا يعلم مَن هو، فلما دخل عليه أخذه وائتمنه على سره، وجعله كاتبًا له، وسمع الولد الآخَر بذلك الملك العادل الصالح، فقصده وسار إليه وهو لا يعلم مَن هو أيضًا، فلما دخل عليه وكَّلَه على النظر في أموره، وبقيَا مدة من الدهر في خدمته، وكل واحد منهم لا يعلم بصاحبه، وسمع الرجل التاجر الذي عنده المرأةُ بذلك الملك، وبرِّه للناس وإحسانه إليهم، فأخذ جانبًا من الثياب الفاخرة، ومما يستظرف من تُحَف البلاد، وأتى بسفينة والمرأة معه حتى وصل إلى شاطئ الجزيرة، ونزل إلى الملك، وقدَّمَ له هديته، فنظرها الملك وسُرَّ بها سرورًا كثيرًا، وأمر للرجل بجائزة سنية، وكان في الهدية عقاقير أراد الملك من التاجر أن يعرِّفها له بأسمائها، ويخبره بمصالحها، فقال الملك للتاجر: أَقِمِ الليلةَ عندنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.