فلما كانت الليلة ٤٨٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا الحسن قال: لما رأيتُ الرجلَ المجذوب قاعدًا في المحراب، تراميتُ عليه وقلتُ له: يا سيدي، أسألك الصحبة. وجعلت أقبِّل قدمَيْه، فقال لي: ليس إلى ذلك سبيل. فجعلتُ أبكي وأنتحب لما حُرِمته من صحبته. فقال لي: هوِّنْ عليك، فإنه لا ينفعك البكاء. وأجرى العَبَرات ثم أنشد هذه الأبيات:
فانصرفتُ من عنده، وكنتُ بعد ذلك لا آتي منهلًا إلا وجدتُه قد سبقني؛ فلما وصلتُ إلى المدينة غاب عني أثره وعمي عليَّ خيره، فلقيتُ أبا يزيد البسطامي وأبا بكر الشبلي وطوائف الشيوخ، وأخبرتهم بقصتي وشكوتُ إليهم قضيتي، فقالوا: هيهات أن تنال بعد ذلك صحبته؛ هذا أبو جعفر المجذوب، بحرمته تستقي الأنواء، وببركته يستجاب الدعاء. فلما سمعتُ منهم هذا الكلام زاد شوقي إلى لقائه، وسألت الله أن يجمعني عليه، فبينما أنا واقف بعرفات إذا بجاذب يجذبني من خلفي، فالتفَتُّ إليه فإذا هو ذلك الرجل، فلما رأيتُه صحتُ صيحةً عظيمةً، ووقعتُ مغشيًّا عليَّ؛ فلما أَفَقْتُ ما وجدتُه، زاد وَجْدي لذلك وضاقت عليَّ المسالكُ، وسألت الله تعالى رؤيته. فلم يكن إلا أيام قلائل وإذا به يجذبني من خلفي، فالتفَتُّ إليه فقال: عزمتُ عليك أن تأتيني وتسأل حاجتك. فسألته أن يدعو لي ثلاث دعوات: الأولى أن يحبِّب الله إليَّ الفقرَ، والثانية ألَّا أبيت على رزق معلوم، والثالثة أن يرزقني النظر إلى وجهه الكريم. فدعا لي هذه الدعوات وغاب عني، وقد استجاب الله دعاءه لي؛ أما الأولى فإن الله حبَّبَ إليَّ الفقر، فوالله ما في الدنيا شيء هو أحبُّ إليَّ منه. وأما الثانية فإني منذ كذا سنة ما بتُّ على رزقٍ معلومٍ، ومع ذلك لا يحوجني الله إلى شيء، وإني لَأرجو أن يمنَّ اللهُ عليَّ بالثالثة، ويكون قد أجاب فيها كما أجاب في الاثنتين قبلها، إنه كريم مفضال، ورحم الله مَن قال:
حكاية مغامرات حاسب كريم الدين
ومما يُحكَى أنه كان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، حكيم من حكماء اليونان، وكان ذلك الحكيم يُسمَّى دانيال، وكان له تلامذة وجنود، وكان حكماء اليونان يذعنون لأمره، ويعوِّلون على علومه، ومع هذا لم يُرزَق ولدًا ذَكَرًا، فبينما هو ذات ليلة من الليالي يتفكَّر في نفسه ويبكي على عدم وجود ولد يرثه في علومه من بعده، إذ خطر بباله أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعوةَ مَن إليه أناب، وأنه ليس على باب فضله بوَّاب، ويرزق مَن يشاء بغير حساب، ولا يرد سائلًا إذا سأله، بل يجزل الخير والإحسان له، فسأل الله تعالى الكريم أن يرزقه ولدًا يخلفه من بعده، ويجزل له الإحسان من عنده، ثم رجع إلى بيته، وواقَعَ زوجته، فحملَتْ منه تلك الليلة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.