فلما كانت الليلة ٤٨٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حاسب كريم الدين لما رأى البلاطة التي فيها الحلقة فرح ونادى جماعته، فحضروا إليه فرأوا تلك البلاطة، فتسارعوا إليها وقلعوها، فوجدوا تحتها بابًا، ففتحوا الباب الذي تحت البلاطة، فإذا هو جبٌّ ملآن عسل نحل، فقال الحطَّابون لبعضهم: هذا جبٌّ ملآن عسلًا، وما لنا إلا أن نروح المدينة، ونأتي بظروف، ونعبِّئ هذا العسل فيها، ونبيعه ونقتسم حقَّه، وواحد منَّا يقعد ليحفظه من غيرنا. فقال حاسب: أنا أقعد وأحرسه حتى تروحوا وتأتوا بالظروف. فتركوا حاسب كريم الدين يحرس لهم الجب، وذهبوا إلى المدينة، وأتوا بظروفٍ، وعبَّوها من ذلك العسل، وحمَّلوا حميرهم، ورجعوا إلى المدينة، وباعوا ذلك العسل، ثم عادوا إلى الجب ثاني مرة؛ وما زالوا على هذه الحالة مدةً من الزمان، وهم يبيعون في المدينة ويرجعون إلى الجب يعبُّون من ذلك العسل، وحاسب كريم الدين قاعد يحرس لهم الجبَّ، فقالوا لبعضهم يومًا من الأيام: إن الذي لقي جبَّ العسل حاسب كريم الدين، وفي غدٍ ينزل إلى المدينة، ويدَّعِي علينا، ويأخذ ثمن العسل ويقول: أنا الذي لقيتُه، وما لنا خلاص من ذلك إلا أن نُنزِله في الجبِّ ليعبِّي العسل الذي بقي فيه، ونتركه هناك فيموت كمدًا، ولا يدري به أحد، فاتفق الجميع على هذا الأمر، ثم ساروا، وما زالوا سائرين حتى أتوا إلى الجب، فقالوا له: يا حاسب، انزل الجبَّ، وعبِّ لنا العسلَ الذي بقي فيه، فنزل حاسب في الجب وعبَّى لهم العسل الذي بقي فيه، وقال لهم: اسحبوني فما بقي فيه شيء. فلم يردَّ عليه أحدٌ منهم جوابًا، وحمَّلوا حميرهم، وساروا إلى المدينة، وتركوه في الجبِّ وحدَه، وصار يستغيث ويبكي ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، قد متُّ كمدًا.
هذا ما كان من أمر حاسب كريم الدين، وأما ما كان من أمر الحطَّابين، فإنهم لما وصلوا إلى المدينة باعوا العسل، وراحوا إلى أم حاسب وهم يبكون، وقالوا لها: تعيش رأسك في ابنك حاسب. فقالت لهم: ما سبب موته؟ قالوا لها: إنَّا كنَّا قاعدين فوق الجبل، فأمطرت علينا السماء مطرًا عظيمًا، فأوينا إلى مغارة لنتدارى فيها من ذلك المطر، فلم نشعر إلا وحمار ابنك هرب في الوادي، فذهب خلفه ليردَّه من الوادي، وكان فيه ذئب عظيم فافترس ابنك، وأكل الحمار، فلما سمعَتْ أمه كلامَ الحطَّابين، لطمَتْ على وجهها، وحثَّتِ التراب على رأسها، وأقامت عزاءَه، وصار الحطَّابون يجيئون لها بالأكل والشرب في كل يوم.
هذا ما كان من أمر أمه، وأما ما كان من أمر الحطَّابين، فإنهم فتحوا لهم دكاكين، وصاروا تجَّارًا، ولم يزالوا في أكل وشرب وضحك ولعب.
وأما ما كان من أمر حاسب كريم الدين، فإنه صار يبكي وينتحب، فبينما هو قاعد في الجب على هذه الحالة، وإذا بعقربٍ كبير وقع عليه، فقام وقتله، ثم تفكَّرَ في نفسه وقال: إن الجبَّ كان ملآن عسلًا، فمن أين أتى العقرب؟ فقام ينظر المكان الذي وقع منه العقرب، وصار يلتفت يمينًا وشمالًا في الجبِّ، فرأى المكان الذي وقع منه العقرب يلوح منه النور، فأخرج سكينًا كانت معه، ووسَّعَ ذلك المكان حتى صار قدر الطاقة، وخرج منه، وتمشَّى ساعةً في داخله، فرأى دهليزًا عظيمًا، فمشى فيه فرأى بابًا عظيمًا من الحديد الأسود، وعليه قفل من الفضة، وعلى ذلك القفل مفتاح من الذهب، فتقدَّمَ إلى ذلك الباب، ونظر من خلاله، فرأى نورًا عظيمًا يلوح من داخله، فأخذ المفتاح وفتح الباب، وعبر إلى داخله، وتمشَّى ساعةً حتى وصل إلى بحيرة عظيمة، فرأى في تلك البحيرة شيئًا يلمع مثل الماء، فلم يزل يمشي حتى وصل إليه، فرأى تلًّا عاليًا من الزبرجد الأخضر، وعليه تخت منصوب من الذهب مرصَّع بأنواع الجواهر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.